شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الصين ودبلوماسية كيسنجر

 

 

يونس السيد

 

 

ظهر هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي البارع ووزير الخارجية في عهد ريتشارد نيكسون، بصورة مفاجئة في بكين، الأسبوع الماضي، والتقى كبار المسؤولين الصينيين، في توقيت تدهورت فيه العلاقات الأمريكية الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وسط تساؤلات كثيرة عن مغزى هذه الزيارة وأهدافها.

بالتأكيد، لم تكن زيارة كيسنجر إلى بكين زيارة سياحية وهو بعمر المائة عام، ومهما حاولت الإدارة الأمريكية النأي بنفسها عن هذه الزيارة، والادعاء بأنها لا تمثلها، وأنه ذهب إلى هناك كمواطن عادي، فإن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، أكد أن الإدارة الأمريكية على علم بها وأن المسؤولين الصينيين ناقشوا الأمر مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى الصين، الشهر الماضي.

على أية حال، تأتي زيارة كيسنجر، وهي الأولى له إلى بكين منذ ما قبل جائحة كورونا بقليل، بعد سلسلة زيارات مكثفة لمسؤولين أمريكيين في الشهور الأخيرة، استهدفت نزع فتيل التوتر بين الجانبين، أو على الأقل، إعادة تطبيع العلاقات بينهما، ومنع اندلاع حرب اقتصادية وتجارية قد تتطور إلى حرب عسكرية لا يستطيع العالم تحملها، في ظل اشتعال الحرب الأوكرانية والتطورات الجارية على الساحة الدولية. ومع ذلك، يبدو أن مجمل تلك الزيارات فشل في تخفيف حدة التوتر، «لأن بعض الناس في الولايات المتحدة لم يلتقوا بالصين في منتصف الطريق»، وفق ما يقول وزير الدفاع الصيني لي شانغفو، الذي رفض الاجتماع مع نظيره الأمريكي لويد أوستن خلال قمة دبلوماسية في سنغافورة، الشهر الماضي، بسبب العقوبات، فيما يقول كيسنجر إنه «ينبغي على الولايات المتحدة والصين القضاء على سوء التفاهم والتعايش السلمي وتجنب المواجهة». وكان كيسنجر، وهو مهندس العلاقات الصينية الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، والمعروف بأنه «صديق للصين»، قد حذر مرارا من عواقب حرب كارثية بين الصين والولايات المتحدة، وهو يرى أن «التاريخ والممارسة أثبتا باستمرار أنه لا يمكن للولايات المتحدة ولا الصين التعامل مع بعضهما كخصمين. إذا ذهب البلدان إلى الحرب، فلن يؤدي ذلك إلى أي نتائج ذات مغزى للشعبين».

بهذا المعنى، فإن كيسنجر المسكون بثقل التاريخ، يعتقد أن الوقت قد حان لكي يتدخل لإصلاح العلاقات الصينية الأمريكية، وإعادة بنائها على أسس راسخة لمصلحة واشنطن وبكين والعالم بأسره، سواء نأت إدارة بايدن بنفسها عن زيارته، أم لا. وهو هنا يقترب من المنطق الصيني الذي يطالب واشنطن برسم خطوط واضحة في ما يتعلق بعلاقاتها مع بكين، وتحديدا إزاء «الأنشطة الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان»، إذا كانت تأمل حقا في تحقيق الاستقرار لتلك المنطقة، وفق مسؤول العلاقات الخارجية في الصين وانغ يي، الذي شدد عقب لقائه كيسنجر على أن «تطويق الصين واحتواءها مستحيلان». وبحسب المسؤول الصيني، فإن «تطور الصين يتمتع بدينامية داخلية ومنطق تاريخي مطلق، ومحاولة تغيير الصين مستحيلة».

والسؤال الآن هو: إلى أي مدى نجح كيسنجر في إحداث التقارب المطلوب؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة دون شك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى