شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

الشعر في قارة السّيرة الذاتية

إعداد وتقديم: سعيد الباز

 

إنّ العلاقة بين الشعر والسّيرة الذاتية ظل يخيّم عليها الالتباس والتوهم الكبير بأنّ السيرة الذاتية لا يمكن لها أن تكون إلا نثرا. لكن السيرة الذاتية باعتبارها قارة كبيرة تحتمل في تحققها أشكالا كثيرة ومتنوعة، فهذا فيليب لوجون Philippe Lejeune ، المنظر الأشهر للسيرة الذاتية، يبرز مدى الخطأ في استبعاد الشعر عن عالم السيرة الذاتية وأجوائها الخاصة في قوله: «في الميثاق السيرذاتي، قلت، يا للبدعة، إنّ السيرة الذاتية تكون نثرا، إذ إنّ نحو 99 في المئة من الحالات جرت على ذلك. غير أنّ ذلك لم يكن صحيحا». ومع ذلك فإن أشكال ما ينبغي تسميته السيرة الذاتية الشعرية متعددة ومختلفة. فهناك نماذج تكتب عن الذات شعرا كما هو الحال مع الشاعر التركي ناظم حكمت أو الشاعرين المغربيين حسن بولهويشات وعبد الرحيم الصايل والشاعر اللبناني وديع سعادة في كتابه الشعري «تركيب آخر لحياة وديع سعادة» والشاعر التونسي آدم فتحي في كتابه الشعري «نافخ الزجاج الأعمى أيامه وأعماله»، وأخيرا من كتب عن الشعر من خلال الشكل المألوف للسيرة الذاتية كالشاعر السوري نزار قباني في «قصتي مع الشعر» والشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي في «ينابيع الشمس» أو بدر شاكر السياب في مقدمات بعض دواوينه.

 

ناظم حكمت.. سيرة ذاتية

وُلدتُ في 1902
لم أعد أبدا إلى مسقط رأسي
أنا لا أحب العودة إلى الوراء
في الثالثة كنت أعمل حفيدًا لأحد الباشاوات في حلب
في التاسعة عشرة طالبًا في الجامعة الشيوعية فى موسكو
في التاسعة والأربعين عدت إلى موسكو كضيف لحزب التشيكا
وكنت شاعرا منذ أن كنت في الرابعة عشرة
بعض الناس يعرفون كل شيء عن النباتات وبعضهم عن السمك
وأنا أعرف الفراق
بعض الناس يعرفون أسماء النجوم عن ظهر قلب
وأنا أحفظ الغياب عن ظهر قلب.

نِمْتُ فى سجون وفي فنادق كبرى
عرفت الجوع حتى جوع الإضراب عن الطعام
ولا يوجد تقريبا طعام لم أذقه
فى الثلاثين أرادوا أن يشنقوني
فى الثامنة والأربعين أن يمنحوني جائزة السلام
وهذا ما فعلوه.

فى السادسة والثلاثين افترشت أربعة أمتار مربعة من الأسمنت المسلح طوال نصف عام
فى التاسعة والخمسين طرت من براغ إلى هاڤانا في ثماني عشرة ساعة
لم أر أبدا لينين ووقفت أراقب تابوته في الرابعة والعشرين
في الـحادية والستين القبر الذي أزوره هو كُتـُبُهُ
حاولوا أن يزيحوني بعيدا عن حزبي
ولم ينجحوا
ولا انسحقت أنا تحت الأصنام المتهاوية
في الحادية والخمسين أبحرت مع صديق شاب عبر أسنان الموت
في الثانية والخمسين قضيت أربعة أشهر راقدا على ظهري بقلب مكسور
منتظرا الموت.

كنت غيورا على النساء اللاتي أحببتهن
لم أحسد تشارلي شاپلن أبدا
خدعت نسائي
لم أغتب أصدقائي مطلقا
شربت ولكن ليس كل يوم
كسبت مال خبزي بأمانة ويا للسعادة
وقلقا على آخرين كذبتُ
كذبتُ حتى لا أؤذي شخصا آخر
لكنني أيضا كذبتُ بلا سبب على الإطلاق
ركبتُ قطارات وطائرات وسيارات
معظم الناس لا يجدون الفرصة لذلك
ذهبتُ إلى الأوپرا
معظم الناس لم يسمعوا أصلا عن الأوپرا
منذ الحادية والعشرين لم أذهب إلى الأماكن التى يزورها معظم الناس
المساجد والكنائس والمعابد والمحافل والسحرة
لكننى جعلتهم يقرؤون لي ثفل قهوتي.

كتاباتي منشورة في ثلاثين أو أربعين لغة
وهي ممنوعة فى بلدى تركيا في لغتي التركية
السرطان لم يصبني بعد
ولا شيء يقول إنه سيفعل
لن أكون أبدا رئيس وزراء أو شيئا من هذا القبيل
ولن أريد حياة كهذه
ولا ذهبت إلى الحرب
ولا حفرت في مخابئ القنابل في عمق الليل
ولم يكن عليّ أبدا أن أنطلق إلى الطريق تحت طائرات تنقضّ
لكنني وقعت فى الحب في الستين تقريبا.

باختصار يا رفاق
حتى إذا كنت اليوم أئنّ في برلين من الحزن
يمكننى أن أقول أنني عشتُ ككائن بشري
ومَنْ يدري
كم سأعيش أكثر
وماذا أيضا سيحدث لي.

كتبت هذه السيرة الذاتية في برلين الشرقية فى 11 سبتمبر 1961

 

بدر شاكر السياب.. مقدمات وحوارات

فقدت أمي وما زلت طفلا صغيرا، فنشأت محروما من عطف المرأة، وحنانها وكانت حياتي كلها بحثا عمن تسدّ هذا الفراغ وكان عمري انتظارا للمرأة المنشودة، وكان حلمي في الحياة أن يكون لي بيت أجد فيه الراحة والطمأنينة وكنت أشعر أنني لن أعيش طويلا… كانت المرأة أكبر حافز دفعني إلى كتابة الشعر، ويبدو هذا الأثر واضحا في ديواني (أزهار ذابلة) و(أساطير) وإن تكن المرأة قد خرجت من آفاقي الشعرية الآن… وقد تأثرت أنا شخصيا في بدء حياتي الشعرية، بعدد كبير من الشعراء: بالبحتري، وعلي محمود طه أول الأمر، ثم بأبي تمام من الشعراء العرب، أمّا الشعراء الغربيون فبين الذين تأثرت بهم في بداية الأمر: شيلي حيث طالعت كتاب الصاوي عن شيلي… وأمّا من الشعراء الإنكليز فشكسبير وجون كيتس أحبهم إلى نفسي متأثرا بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة. وأنا معجب بتوماس إليوت من الشعراء الإنكليز المعاصرين. متأثر بأسلوبه لا أكثر، لأنني نقيضه تماما من حيث الفكرة، ومن حيث نظرتي إلى الحياة… ثم إيديث سيتويل ولا تنس دانتي فأنا أكاد أفضله على كل شاعر… ثم بهوميروس وفرجيل وغوته… وحين أستعرض هذا التاريخ من التأثر أجد أنّ أبا تمام وإيديث سيتويل هما الغالبان. وحين أراجع إنتاجي الشعري، لاسيما في مرحلته الأخيرة، أجد أثر هذين الشاعرين واضحا: فالطريقة التي أكتب بها أغلب قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة إيديث سيتويل: إدخال عنصر الثقافة والاستعانة بالأساطير والتاريخ والتضمين في كتابة الشعر… ويعجبني من الشعراء العرب المعاصرين الجواهري أستاذ هذا الجيل الطالع من الشعراء العراقيين. والحق أني والكثيرين من الشعراء الشباب الآخرين مدينون له بالشيء الكثير. وهو قمة من قمم الشعر العربي في كل عصوره، وأعظم شاعر ختم به النهج التقليدي للشعر العربي… ويعجبني محمد مفتاح الفيتوري، من الشباب. أما الشعراء العراقيون فلعل الصداقات التي تربط بيني وبين الكثيرين منهم لا تجعلني منصفا في الحكم عليهم، ولهذا أوثر السكوت. أما لماذا أعجبت بالجواهري،  أبي شبكة والفيتوري فلأن شعر كل منهم، على ما بين الثلاثة من فوارق، تتحقق فيه أكثر المثل الشعرية التي أعتبرها كفيلة بأن تجعل من الشاعر شاعرا مجيدا: متانة الأسلوب، وحرارة العاطفة دون ميوعة والموازنة بين الفكرة والصورة والعاطفة والاتجاه الواقعي.

إنّ الثورة الناضجة نوع من أنواع التطور: إنها استعراض للماضي، للتراث وإهمال الفاسد منهن والسير بالشيء الحسن فيه إلى أمام. فـ«الثورة» على القديم لمجرد أنه قديم، جنون وانتكاس إذ كيف نستطيع أن نحيا وقد فقدنا ماضينا؟ … فالإنسان كائن ذو تاريخ، ذو ماض… ومن هذا الماضي هذه الجذور يأتي الأمل. من هذا الماضي-الجذور تتكلل هامة الشجرة عبر جذعها الأجرد اليابس، هذا الحاضر بالورق والزهر والثمر…

لقد ثار أكثر من شاعر في كل بلد عربي، على تلك الموسيقى الرتيبة التي تأثر الشعر العربي بها، وتناولت الثورة في أول عهدها، وحدة القافية، ثم تعدتها إلى الأوزان. فهجر كثير من الشعراء المجددين البحور الطويلة، واستعاضوا عنها بالبحور القصيرة إلا في القصائد التي تستلزم الفخامة… غير أن الشعراء في العراق لم يثوروا على القواعد الكلاسيكية بالمعنى الدارج للثورة. ولكنهم طوروا بعض العناصر التي اعتقدوا بأنها أصبحت فاسدة. فـ«الثورة» على القوافي ليست وليدة اليوم. فلنبحث عن أصولها عند الأندلسيين. ولكن الأسباب التي دعت الأندلسيين إلى ذلك، هي غير الأسباب التي تدعو الشعراء المحدثين إلى هذه (الثورة).

 

حسن بولهويشات..أشتري تذكرة خيال وأسافر

سيرة ذاتية

بلا تخطيطٍ واضح
وبلا أصيص أزهار
أو طلبات عائليّة فوق الطاولة
أتقدّم ماشيّا على رأسي
وبورقةٍ أخيرة في فمي
فحياتي أردتها مقلوبة،
وعارية بلا مصدّات الرياح
ومتستّرة أحيانا
لكن بمقدار ما تخفيه الشّجرة من الضوء
والأعمى من الظلام
حيث النّهارات تقول كلّ شيءٍ هنا،
أقضيها متفيئًا ظلال البيداغوجيا
ومتسليّا بمتاعبي المقوّسة جنوب السبورة
أستعمل ركبتي طاولة
فأتناول فطوري تحت شجرةٍ أغصانها مفلوجة
وأواصل منتعشًا بصوتي يخرج من النافذة
وببول الصّغار يغسل أظلاف الصبّار
أقودهم كلّ يومٍ في مسارب نحويّة
أرفعهم حينًا
وأجرّهم إلى قفار وعرة
لأنصبَ من أجلهم القدر على نارٍ هادئة
دون أن أشاركهم أكل الطبيخ
وربّما نصبتُ لهم كمينًا في نهاية الدرس
وتراجعتُ إلى الخلف كأيّ جلف
لأتلوّى على نفسي
فأنام تاركًا الزمن يلهو فوق جثتي
أنامُ مفردًا مثل مسدّس
لأستيقظ مثنّىً وجمعًا
وأطلق الرصاص على اليوم الموالي
وأكتبُ قصائدَ متقطعة مثل حبل الودّ
كي أرى اسمي مطبوعًا في جريدة
ومستطيلًا بحجم ظهر حمار
فأتباهي بأمراضي
بحياتي التي حكيتها.

 

أشتري تذكرة خيال وأسافر

 / 1 /

جميع حروبي السابقة التي خضتها على قدمٍ وساق

كانت صغيرة جدّاً وقريبة من أنفي

كانت محليّة

وضد مشاعري المقسّمة

مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبيّة

ضد فردة جوربي الضائعة

ضد أضراسي البالية،

وأزرار قمصاني الناقصة

أمّا أنّني أدّعي الكونيّة

والتضامن اللامشروط مع حقوق الإنسان

وحقوق الحيوان في قصائدي،

فهذه مجرّد شطارة لغوية

أهشّ بها على خساراتي المتكرّرة.

 /2 /

في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل

أسلقُ أخطاء النهار في قدرٍ نحاسيّ كبير

على طريقة قبيلة قديمة

ألتهمها على مضض،

فأشعر بمرارة في لساني وأتألم  .

في كلّ مرّة أفعل،

يسامحني الله وأبتسم .

كلّ ما أخافه هو أن أكون مسجّلاً عند الله

في دفتر الأوغاد.

 / 3 /

الأحد : ألتهم الرغيف في الضاحية

 أقرأ الملاحق الثقافيّة

أسمع أغاني إديث بياف
أتكئ بجثتي على نافذة مقهى

أتجرّد من الحذاء والجوارب، وأحصي الجثث في التلفزيون
أتزاحم مع النّاس في سوق السمك

أرتّب ملابسي في الدولاب

أركض في الغابة مثل بغلٍ

أقلّم أظافري

أذهب إلى الحلّاق، إلى الحمّام

أشاهد مباراة في كرة القدم.
الأحد أدخّن هموم الأسبوع في غرفة صديقة

وأفكّر في الاثنين

الأحد دفتر تحمّلات بأوراقٍ كثيرة.

/ 4 /

أبي .. يا فلاحاً بلا أشجار ولا أفكار
كم تدحرجتُ بعد موتك
وتغيّر حالي
وتغيرت أغراض البيت أيضاً
وصار لدينا تلفاز ملوّن وآلة غسيل
ولأمّي هاتف نقال وأسنان اصطناعية.

/ 5 /

آهٍ يا جدّتي العزيزة
لولا خوفي من العصا المركونة في الجانب

 لأمسكتُ بك ومخضتكِ طويلاً

كما كنت تمخضين اللّبن

حتّى تسقط الأفكار من الرأس الأشيب

وأدسّ الأفكار في جيبي وأهرب
أريد أن أجلس خلف زجاج مقهى

وأقرأ التّاريخ بحقبه الطويلة

وأضحك .

/ 6 /

أشتري تذكرة خيالٍ
وأسافر بحقيبةٍ مجرورة بين محطات كثيرة
أقلّب الأفكار بيدي
ثم أتركها تخرج من النافذة
كما لو أنّها أسماك صغيرة
وكما لو أنّني صيّاد بصنّارة معقوفة
وقبعة دومٍ مخرومة.

/ 7 /

رغم أنّ أحزاني قديمة جداً

فلم يحدث أن فكّرت يوما في الانتحار،

لأنّ أحقادي قديمة أيضاً

ولا أتصوّر

أن يشربَ كثيرون القهوة في غيابي

ويمارسَ آخرون الحب من زوايا مختلفة ورائي.

وحتّى إذا متّ سريعا

مثل أسفٍ أو تنهيدة

 أريدكِ يا أشعاري

أن تمشي في جنازتي
وأنت تفتلين الحزن بين خطوةٍ وأخرى.

آدم فتحي.. نافخ الزجاج الأعمى أيامه وأعماله

الشاعر التونسي آدم فتحي المتعدد العطاء سواء في مجال الشعر أو كتابة القصائد الغنائية أو في الإعلام المرئي، تناول في كتابه الشعري «نافخ الزجاج الأعمى أيامه وأعماله» سيرة ذاتية شعرية ببعد استعاريّ حافل بالرموز والإحالات التاريخية والأسطورية، مزج فيها بين الذات والمجتمع. كان نافخ الزجاج الأعمى المعادل الموضوعي للشاعر في المجتمع بصفة عامة والشاعر آدم فتحي على الخصوص. لذلك يستهل كتابه الشعري بسؤال طفلته كيف تكتب؟ فنافخ الزجاج الأعمى ليس إلّا آدم فتحي، أو كما يقول الكاتب التونسي حسونة المصباحي: «منذ البداية ندرك أن آدم فتحي يرمز بـالأعمى» للشاعر في بلد عربي هو تونس. بلد يحتقر فيه الشاعر ويهان وينبذ من قبل مجتمع يعتقد أنه -أي الشاعر- لا يرى الواقع، ولا يدرك حقائقه، ولا نواميسه مفضلا أن يعيش محلقا في عالم الأحلام والأوهام فلا يستفيق من ذلك أبدا». ويؤكد ذلك الكاتب التونسي كمال الرياحي بقوله: «يبدو كتابه الشعري الجديد «نافخ الزجاج الأعمى أيامه وأعماله» أشبه بسيرة ذاتية شعرية تروي قصة حياة آدم فتحي منذ الميلاد إلى الآن راصدا كل أحزانه وأفراحه وانكساراته وأحلام وطنه وخيانات أصدقائه وتحطم العالم من حوله وتداعي القيم وانسحاب الماء من الوجوه. سيرة تروي قصة السقوط المدوي لأحلام الشاعر بسقوط البلاد، فهي سيرة ذاتية يائسة … حالمة مع ذلك بدونكوشية الشعراء» أو على حدّ قول الشاعر نفسه: «ثمة أراضٍ هكذا، لا تستحق من يبكيها. لا تستحق من يرثي دودها الهامد. تمر عليها الأماكن والتواريخ، لا تترك ما يدل عليها سوى مرارة في حلوق الشعراء».

 

نافخ الزجاج

تسأل الطفلة أباها: كيف تكتب؟

كان أعمى.

-أنظر في نفسي طويلا إلى أن أرى ثقبا في الصفحة. أضع على الثقب كلمة. أنفخ في الكلمة كي تكبر قليلا. هكذا أحصل أحيانا على قصيدة.

-ثم ماذا؟

-لا شيء سوى أنّي قد أقع في الثقب فلا أعود.

 

كتف الأشياء

ينفخ الأعمى روحه في القصبة، ينفخ في القصبة أحلامه البيضاء. من كل ثقب تفيض الأحلام على كتف الأشياء، دون أن ينتبه ترقص له أحلامه بحب، ثعابين بيضاء ترقص لحاوٍ عجوز.

بعيدا عن القصبة، يمدّ الأعمى (دائما) يده إلى كتف الأشياء. تلدغه الأحلام.

قدر الحاوي أن يُلدغ من أحلامه يقول.

انفخ روحك في هذه القصبة لعلك ترى (مارام) لعل سماءك ترقص لعل بين يديك تكبر موسيقى الرمل.

انفخ روحك في قصبتك. لا بأس إن لم تعرف (أبدا) من أين الكتف تُؤكل.

قدر العازف أن يتعثر كي تتقدم الموسيقى.

 

أغنية صحيحة

تعرَّ قبل أن تفجعني فيك قالت، تجرّد من قماش الحياة انغمس في مياهها الخاطئة، أنصتْ إلى جسدك يغرد.

تعرَّ تماما قبل أن تفجعني فيَّ، اتبع صوتك كما تتبع فراشة في الحقل.

انتظر أن يحطّ الصوت على حلم جاف، اغرس الحلم في قلبك وغن.

اعزف على أوجاعك داعبها بغصن الحلم غن، يخضر الحلم من جديد.

عندئذ أعود إليك.

 

الكمين

أنام مع جسدي منذ سنين بعين مواربة،

الأخرى تتلفت.

تسقط حبّة من عنقود الأحبة. يوقظني الدويّ في لحمي. أرى يدي تتفقد مفجوعة ضواحيها العزلاء. أذني ترتجف مثل رأس قطة مرعوبة.

لعل الدوي سقوط قريب أو شبيه.

أنام مع جسدي منذ سنين بعين مواربة.

الأخرى تتلفت.

لا تعرف الضربة من أين تجيء؟ من الدماغ؟ من الرئتين؟ من القلب؟ من الكبد؟ من الكلية؟ من المثانة؟

 

الفراشة

دودة القزّ تخرج من شرنقتها.

تطير فراشة صغيرة. تدق بألوانها

على باب الصباح.

وعليها أن تموت

قبل الصباح القادم.

حين يدق الصباح القادم على بابها

ويطالبها بالموت،

تكون الفراشة الصغيرة

كبرت قليلا

عشقت أثاثها الجديد

تأرجحت على غصن الخروب

تعلمت السباحة في الهواء.

لا أحد يعلّم الفراشة

أنّ

الحياة أحيانا،

ولو ليوم آخر

خيانة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى