الرياء والوباء
زينب بنموسى
من الموضات التي انتشرت في رمضان منذ انتشار وباء كورونا السنة الفائتة، موضة تنظيم المظاهرات احتجاجا على «إقفال المساجد» أو بالضبط احتجاجا على عدم إقامة صلاة التراويح.
فبعد مظاهرات الفنيدق العام الماضي، خرج بعض المغيبين فكريا يوم الخميس الماضي في طنجة وعدد من المدن الأخرى محتجين كما يقولون على قرار منع صلاة التراويح، عن طريق القيام بأعمال الشغب وإلحاق الضرر بسيارات من بينها سيارة رئيس المنطقة الأمنية الثانية ببني مكادة التي تم رميها بالحجارة وتكسير زجاجها وسقفها وأبوابها. ناهيك طبعا عن باقي الإسلاميين والسلفيين الذين لم يخرجوا في هذه المظاهرات على أرض الواقع، لكنهم لم يدخروا جهدا في الدعوة إليها، والتحريض على الدولة عبر منشورات فيسبوكية مليئة بالكره والتطرف.
ولأن المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده كما تعلمنا في المدارس ونحن صغار، ولأن الصيام من المفروض أن يربي النفس ويهذبها لأنه لله وهو من يجزي به كما جاء في الحديث النبوي الذي أوصى المرء الصائم بالحلم وعدم الرفث والصخب، وسب أو قتال أي أحد، فنحن فعلا نتساءل عن الهدف الحقيقي لمن يدعون ومن يخرجون أيضا في مظاهرات يقولون إنها نصرة للدين ضد الدولة التي تحارب المساجد من خلال منع إقامة صلاة التراويح.
فمنذ متى كانت أخلاق المسلم تدفعه لتحطيم أملاك الغير وإلحاق الأذى به ظلما وعدوانا؟ أو كان عدم فتح المسجد -الذي يعتبر ارتياده في الأساس فرض كفاية- لأداء سنة مؤكدة ترك الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه صلاتها جماعة مخافة أن تفرض على أمته، محاربة للدين؟
نحن المغاربة نقول «إلى كان لي كايعاود حمق، لي كايسمع يكون بعقلو»، فكيف يستطيع عقل منطقي أن يستوعب أن دولة تبني المساجد أكثر من المستشفيات والمدارس في الأيام العادية، هي دولة قد تستغل حالة الطوارئ لإقفال مساجدها عمدا؟
الشيء الوحيد هنا الذي يتم استغلال حالة الطوارئ لتمريره هو هذا التكفير غير المباشر لدولة لا تحاول منذ سنتين إلا تطبيق مقصد من مقاصد الشريعة الكبرى، وهو حفظ النفس وحفظ أرواح المواطنين من الضياع بسبب انتشار الوباء، وهو أيضا هذا النفاق والرياء والاستغلال البشع لوجه الله في ما يريد أصحابه إظهاره حقا، لكنه في الأساس باطل.
فإن كان هم هؤلاء «المتظاهرين» هو المساجد المغلقة، فنفس المساجد تكون مفتوحة في الصلوات الأخرى ولا ترتادها إلا قلة قليلة من المؤمنين، وإذا كان همهم صلاة التراويح جماعة، فالدولة إن منعتها في المساجد تفاديا للازدحام، فهي لم تمنع عن أحد قبلة الصلاة، أو تحرمه من ثواب صلاة الجماعة مع أهل بيته، وإن كان همهم الصلاة لوجه الله تعالى، لا مراءاته أمام الملأ، واصطناع الإيمان في صلاة لا تقام إلا كل سنة مرة، فالله لا يتواجد فقط في مسجد الحسن الثاني، ولا يحتاج شهودا على أعمال من المفترض أنها موجهة إليه وحده، أما إذا كان همهم فقط المحافظة على مظاهر التدين أيا كانت النتائج والأضرار التي ستترتب عن ذلك، فها هو الله يفضح نفاقهم أمام المغاربة للسنة الثانية على التوالي.