محمد اليوبي
استبق وزير الصحة، أنس الدكالي، إجراء التعديل الحكومي، وسارع إلى تفويت صفقات ضخمة بالملايير، قبل مغادرة منصبه الوزاري، وتتعلق هذه الصفقات باقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية والكواشف والمواد الكيميائية لفائدة مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات العمومية التابعة للوزارة، وكشفت نتائج فتح الأظرفة المتعلقة بها التي جرت الأسبوع الماضي والحالي، أن أغلبها فازت بها شركات أجنبية، ما أثار موجة من التذمر في صفوف أرباب الشركات الوطنية.
ومن بين الصفقات التي أثارت الكثير من الجدل، صفقة اقتناء دواء التهاب الكبد الفيروسي من نوع «س»، بمبلغ يفوق 4 ملايير سنتيم، خصص منه الثلثان لشركة أمريكية حصلت على الترخيص قبل أربعة أشهر فقط من إعلان طلب العروض، رغم أن شركة قدمت عرضا بثمن أقل في الحصة الثانية للصفقة. وكشفت المعطيات المرتبطة بهذه الصفقة أن الشركة التي فازت بالحصة رقم 180 قدمت عرضا بمبلغ 14 مليون درهم، أي بثمن 59,35 درهما لكل حبة دواء، فيما قدمت شركة أخرى شاركت في الحصة بمبلغ 300 مليون سنتيم، أي بثمن 24 درهما لحبتي دواء مستعمل في العلاج، أي أن الوزارة فضلت شركة قدمت عرضا ماليا مضاعفا مرتين بخصوص علاج له نفس الفعالية، ما يفضح الأسباب الكامنة وراء تأجيل إعلان صفقة لتزويد المرافق الصحية العمومية بالأدوية المستعملة في علاج مرض التهاب الكبد الفيروسي من نوع «س»، منذ ثلاث سنوات، وذلك إلى حين حصول شركة أمريكية على الترخيص بالإذن بتسويق نوع من الدواء تصنعه هذه الشركة، رغم وجود ثلاث شركات وطنية تصنع نفس الدواء، وتشير الوثائق إلى أن الشركة الأمريكية حصلت على الإذن بتسويق الدواء في ظرف قياسي لا يتعدى أربعة أشهر، في حين مازالت شركات وطنية تنتظر الترخيص بعد وضع ملفاتها بمديرية الأدوية منذ ثلاث سنوات.
والخطير في الأمر أن شركة شاركت في الصفقة، حصلت على الإذن بتسويق الدواء في ظرف قياسي غير مسبوق، لا يتعدى خمسة أيام، حيث وضعت ملفها يوم 11 شتنبر وحصلت على الترخيص يوم 15 شتنبر، وشاركت في الصفقة يوم 16 شتنبر، وجاء ذلك بعدما وجهت شركتان لصناعة دواء التهاب الكبد الفيروسي، شكاية إلى اللجنة الوطنية للصفقات التابعة لرئاسة الحكومة، تشتكي من خلالها الظلم والإقصاء اللذين تتعرض لهما الشركات الوطنية من طرف وزارة الصحة، حيث تم تقسيم الصفقة إلى حصتين، الحصة رقم 179 بنسبة 35 في المائة من مبلغ الصفقة، بحوالي مليار سنتيم، تخص الدواء الذي تصنعه ثلاث شركات وطنية، مكون من تركيبة «سوفوسبیفیر» و«داكلاطاسفیر»، أما الحصة رقم 180 فقد خصصت لها الوزارة نصيب الأسد بنسبة 65 في المائة من قيمة الصفقة، بحوالي 3 ملايير سنتيم، تخص الدواء الذي تصنعه شركة أمريكية وتستورده شركة أخرى من الهند، مكون من تركيبة «سوفوسبیفیر» و«فیلباطاسفیر».
وفوتت الوزارة، أيضا، صفقة أخرى أثارت الكثير من الجدل، تتعلق بشراء وحدات متنقلة طبية، وهي الصفقة التي تقارب قيمتها ملياري سنتيم، ورست على شركتين تابعتين لنفس الشركة الأمريكية المختصة في توريد الأجهزة الطبية، وتم تقسيم الصفقة إلى ثلاث حصص، الأولى تخص اقتناء ست وحدات متنقلة طبية للفحص بالأشعة لداء السل، بمبلغ مليار و684 مليون سنتيم، أي بثمن 280 مليون سنتيم للوحدة، مع العلم أنه تم اقتناء نفس الوحدات في صفقة سابقة بمبلغ مليار و80 مليون سنتيم، فيما كانت الوزارة تتوقع الكلفة التقديرية في الصفقة بمبلغ 14 مليونا و400 ألف درهم، حسب إعلان الصفقة، أي بفارق يفوق 604 ملايين سنتيم.
أما الحصة الثانية من نفس الصفقة، والتي فازت بها نفس الشركتين، فتخص اقتناء ست وحدات متنقلة طبية للتصوير الشعاعي للثدي وأمراض النساء، بمبلغ 3 ملايير سنتيم، أي بثمن 500 مليون سنتيم للوحدة، فيما كانت الكلفة التقديرية للصفقة مليارين و520 مليون سنتيم، وبالمقارنة مع الثمن المتداول في صفقات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا مؤسسة «لالة سلمى» تم تفويتها خلال سنة 2018، فثمن الوحدة الطبية للتصوير الشعاعي للثدي وأمراض النساء لم يتجاوز 150 مليون سنتيم، ما ضيع على خزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة تقدر بحوالي مليار و516 مليون سنتيم. وتتعلق الحصة الثالثة من الصفقة باقتناء ست وحدات متنقلة طبية لفحص العيون، فوتت لنفس الشركتين بمبلغ مليارين و127 مليون سنتيم، فيما حددت الكلفة التقديرية في طلب العروض بمبلغ مليار و920 مليون سنتيم، وتم اقتناؤها في صفقات مماثلة بمبلغ 900 مليون سنتيم، أي بفارق مليار و227 مليون سنتيم.