الخوف من الآخرين.. اضطراب يستوجب التعايش معه قبل العلاج
إعداد مونية الدلحي
الخوف أو الرهبة هو شعور غريزي طبيعي زرعه الله في كل المخلوقات، سواء البشر أو الحيوانات، وهو أحد وسائل الدفاع عن النفس في حال مواجهة الخطر أو الشعور به. فالحيوانات عندما تشعر بالخطر تقوم بالهرب والجري، أو مواجهة الخصم والهجوم عليه، حسب طبيعة كل حيوان، وهو الشيء نفسه الذي يقع للإنسان، فالإنسان عندما يشعر بالخوف يقوم إما بمواجهة مخاوفه والتصدي لها، ومواجهة مصدر خوفه، أو قد يلجأ إلى الفرار والهرب طريقة للاختفاء والابتعاد عن مخاوفه أو ما يرهبه.
وفي الكثير من المواقف الإنسانية عند التواجد بين أشخاص غرباء أو عندما يكون الشخص مضطرا للحديث أو مناقشة موضوع أمام الآلاف من الناس، قد يساعده خوفه هذا على التحضير للأمر بشكل جيد ومواجهته والظهور بالشكل اللائق، فيما قد يصاب أشخاص آخرون بالتلعثم ويفقدون السيطرة على أنفسهم ويصبحون غير قادرين على الحديث أمام الآخرين، وتحمر وجناتهم..
في حالة الأشخاص المصابين بالخوف الاجتماعي، أو ما يسمى علميا “الرهاب الاجتماعي”، فإن غريزة الخوف لديهم لا تكون طبيعية، بل زائدة عن الحد، بحيث يخشون في العادة نظرات الآخرين والتكلم معهم أو توجيه أسئلة لهم، بل قد يفضلون الابتعاد والتواري عن الأنظار وعدم الحديث، حتى وإن كان الموضوع مهما جدا بالنسبة لهم. وقد يصبح هذا الخوف الزائد عن الحد عدوا للإنسان لأنه بكل بساطة يعيق حياته وقد يؤثر على مستقبله، وقد لا يسمح للشخص بالنجاح في حياته، مثلا في المدرسة قد لا يستطيع التلميذ أو الطالب، المشاركة في الأمور المتعلقة بدراسته أو الإجابة عن الاسئلة حتى وإن كان يعرف الإجابة، فقط لأنه يخشى أي مواجهة بينه والمدرس أو الوقوف والتحدث أمام التلاميذ خوفا من استهزائهم به. وهذه الحالة بالتأكيد تؤثر على المريض لأنه دائما ما يشعر بالحرج وعدم الراحة عند تعرضه لمواقف محرجة بالنسبة له، ويخاف لأنه يشعر بأنه شخص غبي فاقد للثقة في النفس، وغير قادر على الدفاع عن نفسه، ويعلم جيدا أن الأعراض التي تظهر عليه هي أعراض مبالغ فيها ويجب عليه التخلص منها وقد يحاول ذلك لكنه يفشل دائما.
المرض الأكثر شيوعا
يعد الخوف الاجتماعي أحد الأمراض النفسية الأكثر شيوعا، إذ يظهر عند اثنتي عشرة في المائة من الأشخاص، وهو عادة ما يبدأ في سن المراهقة، وقد يظهر حتى في بداية سن الرشد، ولكن أغلب الحالات يظهر لديها في بداية المراهقة، كما أنه يصيب الرجال والنساء على حد سواء، بالرغم من أنه يصيب النساء بدرجة أكبر بقليل من الرجال.
وفي العادة، فإن الرهاب الاجتماعي قد يصعب تشخيصه لأنه كثيرا ما يتم الخلط بينه والخجل الذي يعاني منه الأشخاص، وفي العادة لأن العلاج قد لا يقوم على تخليص الشخص من هذا الخوف، لأنه قد يكون من المستحيل التخلص منه، لكن التعايش معه هو الطريقة المثلى للتخلص منه.
الرهاب الاجتماعي والأمراض النفسية
هناك إحدى الحالات النفسية التي يصبح فيها الإنسان الطبيعي منطويا على نفسه، ويصيبه نوع من الخوف من الآخرين والشك فيهم وفي تصرفاتهم، وبأن كل ما يقومون به، هو معاداته أو مهاجمته، وتتصور في دماغه أفكار خاطئة عمن حوله، ويفقد الثقة في الآخرين، ويشك في أن كل من حوله هم أشخاص يريدون مهاجمته أو أذيته، وهي حالة نفسية مرضية لا يجب الخلط بينها والخوف الاجتماعي، لأن هذه الحالة تتطلب علاجا حقيقا وجديا.
وعادة فإن المصاب بالرهاب الاجتماعي هو إنسان تظهر عليه مجموعة من الأعراض المختلفة، ولكن من خلال هذه الأعراض يمكن التعرف بسهولة والقول إن هذا الشخص يعاني من هذه الحالة.
المصاب بهذه الحالة يصبح غير قادر على الحديث إلى الآخرين أو حتى الرد على المكالمات الهاتفية، كما يتجنب كل اللقاءات والاجتماعات سواء العائلية أو بين الأصدقاء، ويفضل التواجد بمفرده، ويشعر بنقص كبير خصوصا أمام أشخاص يعتبرهم أكبر منه مكانة اجتماعية. لهذا فهو يحاول التواجد دائما بعيدا عنهم، وتجنب التعامل مع الآخرين في التجمعات العائلية وغيرها، كما قد يتعرض لمجموعة من المواقف السيئة الأخرى كرفضه الحديث عن رأيه أو عن أمور لم تعجبه ويرضى بكل ما يقدم له، فقط لكي لا يجد نفسه مجبرا على الحديث أو الكلام أو مناقشة أشخاص غرباء عنه.
والمصاب بهذا المرض هو في العادة شخص غير قادر على ربط علاقات رومانسية مع الطرف الآخر أو إبداء إعجابه أو حبه للطرف الآخر، لأنه ببساطة يخاف من أن يتعرض للرفض أو القمع، وهو موقف يظهره الرجل أو المرأة على حد سواء، والمرأة، في العادة، قد ترفض علاقات إعجاب أو صداقة تقدم لها، لأنها بكل بساطة تعلم أن شخصيتها لن تساعدها على التقدم في هذه العلاقة، لهذا فهي تفضل الابتعاد بالمرة من هذا الشخص والبقاء في الظل مختفية، وفي الواقع هذه التصرفات قد لا يرى الآخرون أنها خجل أو خوف، بل قد يروا أنها تخص إنسانا قاسيا وسيئا ولا يقدر الآخرين، خصوصا وأن هذا الشخص في بعض الحالات قد يتخذ الهجوم وسيلة للدفاع عن نفسه.
هذا الخجل الزائد عن الحد قد يؤثر بشكل سلبي على علاقات الشخص داخل العمل، لأنه ببساطة لا يستطيع الانصهار والانسجام مع زملائه أو التقرب من رؤسائه في العمل، وهو ما يجعلهم يأخذون فكرة مغلوطة عن هذا الشخص، وهكذا تتأثر بشكل كبير العلاقة بين المشغل والرئيس أو الزملاء في العمل، ببساطة، بسبب عدم القدرة على تطوير العلاقات الاجتماعية في العمل.
أهم العوامل المسببة للمرض
في العادة، يلعب العامل الوراثي دورا مهما في انتشار الخوف بين أفراد الأسرة نفسها، حسب ما أكدته مجموعة من الدراسات التي ذكرت أن ما نسبته اثنا عشرة في المائة من الأشخاص المصابين بهذه الحالة، هم أقرباء مباشرون أو غير مباشرين لأشخاص مصابين بالحالة ذتها، وقد لا يكون للعامل الوراثي، أي الجينات، دخل في الموضوع، لكن في العادة يكون السبب هو تلقي الأفراد من أسرة واحدة التعليم والتربية نفسيهما اللذين يؤثران بشكل كبير على حياتهم مستقبلا، فعندما تكون الأم منطوية على نفسها وإنسانة خجولة لا تتحدث كثيرا، لا تدافع عن نفسها أو أطفالها وتتسم بالخجل، فهي طباع عادة ما تظهر بشكل مباشر على أطفالها.
وهذه الحالة قد لا تكون مقلقة بشكل كبير، بالرغم من تأثيرها السلبي على حياة الآخرين، وكيف تؤثر على مصيرهم في الحياة، ولكن مع التدخل الطبي وعرض حالة الشخص على الطبيب المعالج في الفترة الأولى من ظهور الأعراض قد تساعد المريض بدرجة كبيرة على تخطي الأمر وعيش حياة طبيعية والتغلب على الحالة التي تصيبه، لكن الأمر يصبح أسوأ في حال عدم عرض المريض على مختص لإيجاد علاج مناسب لحالته، وهو ما قد يؤثر على حالته النفسية مستقبلا.
لكن الأخطر هو عندما تكون هذه الحالة مرتبطة بمرض نفسي آخر، كالوسواس أو الهلوسة، أي عندما يصبح الشخص أكثر قلقا من الآخرين ويعتبر أن الآخرين يتحدثون عنه أو يسخرون منه أو يهاجمونه، وهي كلها رؤى غير صحيحة بطبيعة الحال، وفي العادة فهي حالة مرضية نفسية متقدمة تتطلب علاجا نفسيا جد مطول مع وصف بعض الأدوية لعلاجها.