الخريف
هي
أعرف جيدا أن لقاءنا كان هبة من السماء، على الأقل علي. ولم أكن لأترك الفرق الاجتماعي بيننا واضحا وجليا؛ فأنت كنت ميسورا وذا منصب وسلطة. أما أنا فكنت موظفة بسيطة؛ لكنني كنت أكابد الحياة لأثبت للآخرين أنني لست أقل منهم في شيء. أناقتي كانت سبب تعارفنا، ومازلت أذكر كيف جعلتك جلابتي التقليدية الفاخرة تثني على ذوقي. ومن يومها وأنا أحاول أن أبقي أمامك بديع صورتي. فرشت لك الورد إلى أن قدمت إلى خطبتي. اقترضت من البنك ما يسد منافذ فقري. ولم أترك ما يجعلك تشعر بوجود فرق بين أهلك وأهلي.
تزوجنا وأبقيت على اهتمامي بنفسي وببيتي. لم أتوان عن اقتراض المزيد والمزيد. وكان مرتبي لا يفي بكل المبالغ التي على عاتقي، وازدادت مع مرور الوقت ديوني. ولم تكن بخيلا إنما كنت في عالمك منشغلا عني. كنت ربما متأكدا من أنني في غنى عن مالك، ولم تسألني يوما عن حاجتي.
ومرت السنوات جميلة دون أن يعكر ربيعها شيء. وفجأة، عصف خريف غاضب، أتى على كل الأخضر واقتلعني من جذوري، وجرني التيار القوي دون أن تمد يدك لتساعدني.
هو
لطالما لم تخدعني المظاهر. كنت رجلا مهما تقام له الدنيا وتقعد، ذا مهابة واحترام ووقار. عرفتك ذات زيارة عمل لإدارتكم. كان زيك ناطقا عليك. لم أكن من نوع الرجال الذين تشدهم أي امرأة أو يظهر اهتماما لشيء في امرأة. ووجدت نفسي في غفلة من نفسي أبدي رأيي في ما تلبسينه، وأسرني جوابك وابتسامتك لأجد نفسي أعود في الغد لانتظارك.
تعارفنا، وفي مدة بسيطة تزوجنا وأنجبنا. أحببت الحياة معك بتفاصيلها الجميلة. كنت امرأة متكاملة أنيقة كموديلات المجلات، وجعلت أولادنا نسخة منك. كنت أراك تتفننين في تغيير الديكور، وفي كل مرة أجد البيت على هيأة وشكل جديدين.
وجاء يوم ليس كسابقيه، اعتقلتك الشرطة من داخل عملك. اتصلوا بي ووجدتك مطرقة الرأس تنظرين إلى الأرض، ولم ترفعي أبدا رأسك. كنت مثقلة جدا بالخجل وبملايين الديون التي تراكمت عليك طيلة هذه الأعوام. سقطت كل أوراقك وتعرت شجرتك. شيكات دون رصيد وقروض بمبالغ خيالية واحتيال ونصب. وكنت أكبر مغفل وقع ضحية تصديق خدعتك التي عشت فيها عمرا معك.