الحل
الواضح أن هذا الصيف لن يمر مرور الكرام؛ فما حمله من مفاجآت متعاقبة يجعلنا نطلب لنهايته حسن العاقبة.
لا ندري لماذا المصائب حلت فيه تباعا، ولا نستطيع أن نرجح السبب، سواء إلى الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة، ولا إلى محاسن الصدف التي جمعت فيه مأكولات رمضان وملابس العيد ومصاريف التصييف وكبش الأضحية والمدرسة بكتبها وأدواتها..
وتفاديا للملل، نعيش بين الفقرات فواصل إعلانية، نخرج فيها من جو فيلم الرعب الواقعي لنشاهد مقاطع إباحية.. كأن ما كان ينقصنا هو زلزلة أنفسنا المزعزعة، وتحطيم بقايا الأعصاب التي نحاول ترميمها بأي شيء حتى لو كان مجرد كوب قهوة مُرّة.
منهارون، ومع ذلك ما زلنا واقفين كأننا نتحدى القدرة فينا على الصمود.. في الشارع وجوه شاحبة، تمر من أمامنا كأنها متجهة نحو قبور مفتوحة، وأجساد تستلقي على الأرض خائرة، وسماء ملبدة وغبار وقاذورات في كل مكان..
لم نعد نصدق شيئا مما نسمعه، أصبحت لدينا مناعة ضد الكذب والصدق، لا شيء تقريبا يؤثر فينا، وبتنا فاقدين للمشاعر وننظر إلى الغد بعيون يائسة، ننتظر الأسوأ، كأن الفشل تفشى وغزا رغباتنا وكمّم أحلامنا وتطلعاتنا وآمالنا.
نتمرغ في وعود ضحلة، الكلام نفسه يكررونه على مسامعنا دون خجل من أنفسهم، يبيعون الوهم ويسوقونه ويعقدون اتفاقيات بشأنه، إنهم يبيعون لنا اللاشيء مقابل أشيائنا، هم أغنياء بفضلنا ونحن فقراء بفضل اقتناعنا بأننا خلقنا لنكون كذلك..
جميل أن ننساق وراء الحزن لنعبر عن وجودنا، على الأقل ما زلنا نحتفظ بالألم ولم يمنعنا أحد من مزاولة نشاط البؤس. نحن أحرار في البكاء والصراخ والصمت، نفرق على بعضنا الشتائم بحرية، ونسهم في الحفاظ على عصبية بعضنا البعض، ونشكل حاجزا منيعا يحول دون دخول السعادة إلينا.. إننا يد واحدة نصفع بها وجهنا الواحد..
والحل؟ سؤال نضعه على أنفسنا باستمرار، كأننا في امتحان مادة الحياة، وتختلف بيننا الإجابات، من سيصححها إذا كانت جميع أوراقنا تقريبا متطابقة؟ وأيضا سيكون النجاح عسيرا إذا لم نجد طاولة أو ورقة أو حتى قلما لنكتب، وربما سيكون الوضع أسوأ إذا توفر معنا كل شيء ونحن فاقدون للتفكير.. ونحن كعادتنا نختار الطرق الأسهل ونفضّل عدم الإجابة.. ونترك السؤال معلقا هكذا، فليس بالضرورة أن نجد جوابا لهذا الحل؛ ففي كل الأحوال، نحن ما زلنا أحياء بدونه.