الثروة النائمة
خلال ندوة دولية نظمها الاتحاد الدولي للمحامين، خلال الأسبوع الماضي، كشف الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، عن ارتفاع في عدد القضايا المسجلة منذ دخول قانون غسل الأموال حيز التنفيذ إلى غاية نهاية سنة 2023، حيث ارتفع عدد القضايا من 336 قضية مسجلة خلال سنة 2018 إلى ما مجموعه 2927 قضية إلى غاية نهاية سنة 2023.
هذه الأرقام تكشف بالملموس أن هناك ثروة هائلة تتحرك خارج الدورة الاقتصادية، هذه الثروة تأتي من أنشطة مشبوهة مجرمة قانونا، وجزء آخر يأتي من الأموال العمومية المختلسة ومن عائدات «الرشوة الكبيرة»، والتي يتم «تبييضها» في ممتلكات عقارية ومنقولة.
لذلك، تزامنا مع إحالة مجموعة من المسؤولين والمنتخبين على محاكم جرائم الأموال، تتخذ النيابات العامة قرارات لا يمكن إلا التصفيق لها، تتعلق بتجميد الأرصدة البنكية والممتلكات العقارية والمنقولة المسجلة بأسمائهم والمسجلة كذلك بأسماء زوجاتهم وأبنائهم، خاصة أن بعض المسؤولين بالمؤسسات العمومية والمنتخبين تضخمت ثرواتهم بعد تحملهم مسؤولية تدبير المال العام.
وبالموازاة مع فتح ملفات الفساد واختلاس وتبديد الأموال العمومية، شرعت النيابات العامة بمختلف المحاكم في إحالة ملفات تحوم حولها شبهة تبييض الأموال المختلسة في اقتناء ممتلكات عقارية ومنقولة، بشكل تلقائي على الغرف المكلفة بجرائم غسل الأموال التي تم إحداثها بالمحاكم الابتدائية بمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس.
موضوع متابعة المفسدين أمام القضاء أثار الكثير من الجدل، بين من يطالب بتشديد العقاب في حق كل من سولت له نفسه مد يده للمال العام، وبين من يقول ما الجدوى من سجن المفسدين إذا كانوا سينعمون بالأموال المختلسة، بعد قضائهم للعقوبة ومغادرتهم السجن.
ولوضع حد لهذا الجدل، تشتغل وزارة العدل على مشروع قانون مهم، سيجعل المفسدين ينالون عقابهم، ويتم استرجاع الأموال المختلسة إلى خزينة الدولة، ويتعلق الأمر بإعداد مشروع قانون لإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة والغرامات وتتبع تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة، وهي مؤسسة سيناط بها تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في جرائم الاختلاس والتبديد، كما ستتولى حفظ وتدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة.
كما تشتغل وزارة الاقتصاد والمالية على مشروع قانون لإعادة هيكلة وتنظيم وظيفة الوكالة القضائية للمملكة وتوسيع اختصاصاتها، لمسايرة التحديات الراهنة المتعلقة بحماية المال العام، وتقوية دورها في الدفاع عن الدولة وإدارتها في قضايا الاختلاس والتبديد، بالنظر إلى التجربة التي راكمتها في معالجة هذا النوع من القضايا، وتقديم الدعم القانوني والتنسيق مع مختلف الإدارات العمومية، وذلك من منطلق موقعها كعضو باللجنة المركزية واللجان الجهوية لاسترداد الأموال المختلسة.
هذه المبادرات والإجراءات ستساهم في توفير موارد مالية مهمة لخزينة الدولة، خاصة في ظل الإكراهات الحالية، حيث تحتاج الحكومة إلى هذه الموارد لتمويل المشاريع الضخمة التي تم الإعلان عنها، وكذلك توفير التمويل والاستدامة لورش الدولة الاجتماعية، الذي يتطلب ملايير الدراهم ستنضاف إلى النفقات المعتادة للميزانية.