شوف تشوف

سياسية

التربية آخر اهتمامات بنكيران في تقريعه لبلمختار

المصطفى مورادي

شهد الأسبوع الماضي حدثا استثنائيا وغير مسبوق في السياسة المغربية، عندما وجه رئيس الحكومة نقدا مباشرا لوزير في حكومته، أمام المستشارين وعلى المباشر في التلفزيون العمومي. رد كان عنيفا، لكنه رد سياسي توجه به إلى عدد من المؤسسات العمومية والدستورية بالبلاد، محاولا بذلك رد الاعتبار لصلاحياته، خاصة بعد الأزمة التي خلقتها المادة 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2016، والتي منحت وزير الفلاحة صفة الآمر بالصرف، لصندوق باعتمادات ضخمة مخصصة للعالم القروي. هكذا نقل النقاش الداخلي للحكومة، والذي يفترض أن يكون داخل المجلس الحكومي إلى مجلس المستشارين الذي تسيطر عليه الأغلبية.

لماذا بلمختار وليس الوفا أو عزيمان؟
ما حصل بمجلس المستشارين أثار نقاشا قويا حول خلفياته، سيما أن محتوى تقريع رئيس الحكومة لوزير التربية الوطنية فيه الكثير من التضخيم غير البريء، لكون مذكرة تدريس بعض المواد في بعض الشعب العلمية ليست أمرا جديدا، بل تستند بشكل لا لبس فيه إلى الرؤية الاستراتيجية التي بلورها المجلس الأعلى للتربية والتكوين وقدمها للملك محمد السادس رئيس المجلس عمر عزيمان، علما أن هذه الرؤية هي نتاج لتوافق شارك فيه «إخوان» رئيس الحكومة، سواء الحزبيين منهم أو النقابيين، ثم لكون المذكرة لم تأت أيضا بشيء مفاجئ، لكون الوزير السابق محمد الوفا سبق له أن اتخذ قرارا بشكل انفرادي، يهم إحداث الباكلوريا الفرنسية، حيث تم استقطاب أفضل التلاميذ، والذين يتقنون اللغة الفرنسية، وتم الاتفاق مع آبائهم، وتحويلهم لأقسام سميت الباكلوريا المهنية، وهؤلاء الآن يدرسون في السنة الأولى للباكلوريا في منهاج شبه فرنسي، لكون اللجنة التي وضعت، على عجل برنامج الباكلوريا الفرنسية، استندت بشكل كامل على البرنامج الفرنسي، ومع ذلك لم يثر هذا القرار في حينه أي لغط.
المذكرة الوزارية تجيب عن مشكلة رئيسية تتعلق بلغات التدريس في المدرسة العمومية، حيث تطلب تعميم تدريس بعض المواد العلمية باللغة الفرنسية، وهو أمر حاصل قبل المذكرة. لكن السؤال الذي يطرح هو لماذا تقريع بلمختار وليس محمد الوفا الذي أعاد إحياء التراث الاستعماري للباكلوريا الفرنسية؟ ثم لماذا ليس عزيمان الذي حرص على تبني رؤية أوربية لمسألة اللغات؟

تقريع على الهواء
لم يجد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلا الجلسة العمومية الأولى التي ضمت المستشارين المنتخبين الجدد لـ«تقريع» وزيره في التربية الوطنية على الهواء مباشرة، وانتقاد قراره القاضي بـ«فرنسة» بعض المواد العلمية على مستوى بعض الشعب في مستوى الثانوي التأهيلي. حيث توجه بنكيران، مباشرة إلى بلمختار بالقول: «إن جلالة الملك اختارني لرئاسة الحكومة ولم يختر رشيد بلمختار»، فبدا وكأنه خرج عن سياق الحديث الخاص بالمذكرة، باعثا رسائل شكلها تربوي، ولكن عمقها سياسي واضح، فبعد ما اعتبره أعضاء حزبه «مقلبا» بخصوص المادة 30 والتي أشعلت نقاشا قويا مع أخنوش وزير الفلاحة، ونظرا للمكانة التي يتبوؤها هذا الأخير، بسبب علاقاته القوية والشخصية مع الدوائر العليا للقرار في الدولة المغربية، فإن فتيل الأزمة تم نزعه، وابتلع بنكيران وإخوانه ألسنتهم، حيث لم يسيئوا لأخنوش، لذلك كانت مذكرة بلمختار مجرد ذريعة فقط ليوجه بنكيران رسائل يذكر فيها الجميع بكونه رئيسا للحكومة، حتى ولو تعلق الأمر بمذكرة لم تأت بجديد. علما أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كان قد تبنى في رؤيته الاستراتيجية المقدمة للملك محمد السادس، ما أسماه «هندسة لغوية جديدة»، عمادها «التعددية اللغوية والتناوب اللغوي». فضلا عما ورد في الخطاب الملكي لعيد العرش في يوليوز الماضي، عندما قال الملك محمد السادس: «يجب التحلي بالجدية والواقعية، والتوجه للمغاربة بكل صراحة: لماذا يتسابق العديد منهم لتسجيل أبنائهم بمؤسسات البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، رغم تكاليفها الباهظة؟ الجواب واضح: لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية. وخلافا لما يدعيه البعض، فالانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية، بل العكس، سيساهم في إغنائها».

لماذا الحاجة إلى هندسة لغوية؟
بخصوص معضلة لغات التدريس، تم اعتماد خمس لغات هي اللغة العربية كلغة تدريس في التعليم الابتدائي، فضلا عن تعلم الأمازيغية والفرنسية في هذا السلك، وابتداءا من السنة الأولى من سلك التعليم الإعدادي سيتم اعتماد تدريس اللغة الإنجليزية بخلاف ما هو عليه الأمر الآن، لكون اللغة الإنجليزية يتم الانفتاح عليها في آخر سنة بهذا السلك، على أن يتم تحويل اللغة الفرنسية إلى لغة تدريس، يتم بها تعلم بعض المجزوءات إلى جانب اللغة العربية طبعا، وفي التعليم الثانوي، تنضاف لغة أجنبية خامسة من اختيار التلميذ، على أن تتحول الإنجليزية هي أيضا إلى لغة تدريس لبعض المجزوءات، وخاصة في المواد العلمية، وهو نفس النظام المعمول به في مدارس الاتحاد الأوربي ويسمى بـ«EMILE (Enseignement d’une Matière Intégré à une Langue ètrangère)» وهو نظام تم تعميمه رسميا في المدارس الأوربية ابتداء من سنة 1990، يتمكن فيه التلميذ الأوروبي من التعلم بلغته المحلية والوطنية، في التعليم الأولي والابتدائي، على أن يبدأ الانفتاح الإجباري على لغة أجنبية حية، في نفس السلك، أي ثلاث لغات في التعليم الابتدائي، تماما كما اقترح المجلس الأعلى في رؤيته، على أن يختار التلميذ الأوروبي لغة أجنبية حية يتعلم بها إلى جانب لغته الوطنية والمحلية.
ووفق هذه الهندسة اللغوية، يتمكن التلميذ أو الطالب الأوربي من الاندماج السلس في سوق شغل تتضمن أكثر من خمسين لغة وطنية فضلا عن عشرات اللغات المحلية، إذ أنه يتعلم بلغتين على الأقل، فضلا عن إمكانية الانفتاح على لغات إضافية، بما في ذلك اللغات الشرقية، كالعربية والعبرية والفارسية والتركية وغيرها.
نظام إميل الأوربي، بدأت أولى بوادره في سبعينات القرن الماضي، وخاصة في الدول الأوربية التي تعرف تعددية لغوية، فضلا عن المناطق التي تعرف تعددية لغوية داخل بعض الدول، كالمناطق التي تقع في حدود فرنسيا وألمانيا، أو فرنسا وإسبانيا، أو ألمانيا وهولندا وغيرها، ونظرا لنجاح هذا البرنامج في تمكين تلامذة هذه المناطق من الاندماج السريع في متطلبات سوق اقتصادية ناشئة آنذاك، هي الاتحاد الأوربي، سيما وأن أغلب تلامذة هذه المناطق المحلية، يختارون التعلم بإحدى اللغات الثلاثة الحية، قياسا للوزن الاقتصادي للدول الناطقة بها، وهي اللغة الإنجليزية والألمانية والفرنسية. إنه نظام مؤسس من جهة على احترام اللغات المحلية للحساسيات القومية، المختلفة، ثم اللغات الوطنية للدول، وأخيرا اللغات التي يتم بها التداول في الاقتصادات الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى