خرج بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس من المستشفى أخيرا، وأشاع خصومه أنه يريد الاستقالة، كما فعل سلفه بنديكتوس السادس عشر، عندما اعتقد أنه ما عاد قادرا على القيام بمهامه على الوجه الأكمل.
عندما تولى البابا فرنسيس مهام منصبه عام 2013 صاغ لنفسه برنامجا من أربع نقاط تتشابك أحيانا، كما تبدو مستقلة إحداها عن الأخرى أحيانا أخرى. النقطة الأولى: الإصلاح الداخلي لأوضاع الكنيسة الكاثوليكية، وهي مؤسسة هائلة الاتساع، لأن الدين الكاثوليكي يوشك أن يكون الأول عالميا.
وبخلاف كل الأديان الأخرى، تبدو الكاثوليكية المؤسسة الأكثر تماسكا على المستوى الديني في العالم. كان هدف البابا السابق، وهو لاهوتي كبير، أن يعيد ضبط الانتشار الشاسع أيام البابا يوحنا بولس، عن طريق الانكماش المتشدد وتجاهل الاحتياجات التي يفرضها العصر وتقلباته على مستوى الأجيال الشابة.. وذلك إلى حد محاولة استعادة أعلام التيار الأشد محافظة. ونجم عن ذلك عدم الإصغاء لإيجاد حلول للمشكلات، مثل الإجهاض وتكهين النساء وزواج الكهنة إلخ.
كما لم يُصغ لآلاف الاتهامات ضد الكهنة في تعاملهم مع الأطفال. وهذه المشكلات كلها اعتبرها البابا فرنسيس أولويات لا بد من التصدي لها. وبسبب انفتاحه صارت له شعبية بين الشباب، وبالطبع فإن هذا أثار عليه المحافظين داخل الكنيسة.
أما النقطة الثانية، فكانت تحسين العلاقات مع الديانات الأُخرى وبخاصة الإسلام. فمنذ عام 2013 وحتى اليوم، أصر البابا فرنسيس على فتح كل أشرعته تجاه الإسلام والمسلمين.
وفي هذا الصدد، كما هو معروف، فقد وقع مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وثيقة الأخوة الإنسانية بأبو ظبي في 4 فبراير 2019. وقد سارت أبو ظبي، وكذلك الأزهر والفاتيكان، مع وثيقة الأخوة وسياساتها حتى النهاية.
والنقطة الثالثة: الالتفات إلى المسيحيات الأخرى والبوذيات والهندوسيات، وهو أمر دفع المتشددين من الكاثوليك والبروتستانت إلى القول إنها تعددية دينية لا تتحملها المسيحية، رغم حسن نوايا البابا.
ويتحدث البابا دائما عن القواسم المشتركة في مسعى الوصول إلى أخلاق عالمية تتفق عليها سائر الأديان. والنقطة الرابعة: الدخول على القضايا العالمية، مثل الفساد البيئي والأوبئة والأمراض والمجاعات والحروب.. وكلها قيم ومقاربات أخلاقية ظهرت في سائر رسائل البابا، كما في وثيقة الأخوة الإنسانية.
لقد صارت متغيرات الأزمنة تحديات كبيرة لسائر الأديان. وميزة الكاثوليكية أنها ما زالت متماسكة إلى حد بعيد. لكن بعض المراقبين يذهبون إلى أن نزعة البابا الإنسانية توشك على تفجير المسيحية الكاثوليكية من الداخل!
المحافظون تتكاثر اعتراضاتهم وينتظرون نهاية «القديس». أما راديكاليو الشباب، فيعتبرون أن أكثر ما طالبوا به البابا وأعلن الاستجابة له لم يتحقق بعد! بعد البابا فرنسيس لن تعود المسيحية الكاثوليكية كما كانت. لكن تياره التواصلي المتقدم، يحتاج إلى متابعة حثيثة من أجيال ما بعد الحداثة.
رضوان السيد