أرقام معبرة جدا كشف عنها استطلاع رأي حول المغاربة وعلاقتهم بشبكات التواصل الاجتماعي، حيث أعلن 51.4 في المائة من المشاركين أنهم يثقون أكثر في الصحافيين المهنيين، و40.7 في المائة يثقون في معارفهم وأصدقائهم الذين ينشرون على حساباتهم، في حين يثق فقط 5.9 في المائة في صناع المحتوى و2.0 في المائة في المؤثرين.
هذه رسالة ينبغي أن تصل إلى أولئك المسؤولين الذين يراهنون على صناع الفراغ من أجل إقناعنا بأن الصحافة ماتت وتم دفنها والصلاة عليها، والغريب في الأمر أن موضة السوشيال ميديا أقنعت عددا من المسؤولين في الحكومة والمؤسسات العمومية بأن إستراتيجية تسخير المؤثرين قادرة على إقناع الرأي العام بالبضاعة السياسية التي يريدون تسويقها. والحال أن هذه الإستراتيجية التي تركز على المؤثرين غير مدروسة وغير محسوبة وتسيء للناتج والمنتوج، لأن معظم الصفحات والقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي تفتقد للمهنية وللمصداقية، في ظل غياب مظلة قانونية وتنظيمية لهذا الوافد الجديد إلى عالم النشر، دون أن نذكر المسؤولين بأن هذا التوجه يعد سببا مباشرا في تكريس الحيف الضريبي بين الناس، باعتبار أن هذه الأنشطة التي تحقق أرباحا خيالية وعائدات مالية قياسية للمؤثرين لا تخضع إلى رقابة جبائية تجعلها على قدم المساواة بين فئات عالم الإعلام، كما لا تستفيد منها خزينة الدولة.
إن الاستثمار في المؤثرين وصفحاتهم المليئة بالمغالطات والتضليل والأخبار الزائفة، قبل وضع قانون ينظم ذلك، هو ضرب من المغامرة وهدر للمال العام. وللأسف فإن عددا من المسؤولين «مرتزقة» السوشيال ميديا، الذين يستغلون الأعداد الغفيرة للمتابعين لهم تحت ضغط الابتزاز لكي يتجنبوا نشر غسيل وزاراتهم أو مؤسساتهم العمومية، لتغطية ابتزاز المؤثرين بوهم تسويق المنجز على صفحتهم ومشاركة محتويات معينة مقابل أموال ضخمة تتغير بحسب منسوب الابتزاز والضغط.
لقد آن الأوان للحكومة والبرلمان والقضاء أن يضعوا حدا لهذه الفوضى غير الخلاقة، من خلال وضع قوانين جديدة قادرة على ضبط عمل المؤثرين وجعله تحت المجهر الضريبي والقانوني لكي لا يتحولون إلى مرتزقة وقطاع الطرق يستغلون متابعين افتراضيين لكسب المال بطرق غير مشروعة.