شوف تشوف

القانونية

الأجندة الدستورية للبرلمان المغربي خلال حالة الطوارئ الصحية 3.2

كمال الهشومي أستاذ باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري
إن عمل البرلمان متواصل رغم العطلة البينية للدورتين، إذ تواصل اللجان عملها ويواصل البرلمانيون تنقلاتهم إن على مستوى دوائرهم واتصالاتهم مع أعضاء الحكومة عبر الأسئلة الكتابية أو اللقاءات المباشرة، أو في إطار الديبلوماسية البرلمانية من خلال مواكبة اللقاءات والمنظمات البرلمانية العالمية، والتي يعتبر المغرب عضوا فيها.
وباعتبار الظرف الاستثنائي الذي فرضته حالة الطوارئ الصحية، فإن البرلمان وجب عليه اعتماد أجندته العادية ولكن بشروط وآليات استثنائية، باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية تنفيذا لدوره الدستوري بطريقة وقائية تجنب أعضاءه مخاطر تنقل المرض في ما بينهم إعمالا لإجراءات الحجر الصحي، وبشكل توافقي لا يمس نهائيا الصلاحيات الدستورية للنائب البرلمان. وقد أكد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، في كلمته بمناسبة افتتاح الدورة الربيعية على أنه «بالرغم من السياق الصعب، يجب أن تستمر المؤسسات في أداء أدوارها وممارسة اختصاصاتها، حسب متطلبات المرحلة»، وأكد في الكلمة ذاتها «حرص جميع مكونات المجلس على أن تواصل المؤسسة اشتغالها في الواجهات الرقابية والتشريعية، وفي مجال تقييم السياسات العمومية، إعمالا للدستور، ولتكون جزءا من كافة المؤسسات في مواجهة الوباء وتداعياته، بتقديم الاقتراحات والحلول وبالإسناد السياسي والمؤسساتي لباقي السلطات». أما رئيس مجلس المستشارين فقد دعا في كلمته الافتتاحية إلى: «الالتزام التام بالتدابير الصحية الوقائية خلال الاجتماعات، وتوخي الحيطة والحذر خلال مزاولة المهام في ظل هذه الظروف الاستثنائية».
ولذلك فالدعوة العادية لاستئناف عمل البرلمان في هذا الظرف الاستثنائي، هي إجراء دستوري سليم شكلا ومضمونا، أما بخصوص طريقة العمل والإجراءات المتخذة في هذا الشأن، فيمكن مناقشتها على ضوء الدستور والنظامين الداخليين للمجلسين، ثم على سبيل الدراسة المقارنة لبعض برلمانات العالم، والتي اتخذت كلها وبدون استثناء إجراءات تتماشى مع طبيعة الوضعية الاستثنائية، وأساسا في ما يخص عملية التشريع، وبالضبط التصويت على القوانين وحضور الجلسات.
يطرح العديد من المختصين حرج النص الدستوري الذي يعتبر أن التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه، وأن عضو البرلمان هو ممثل بكامل الشرعية عن دائرته الانتخابية، لا يجب منعه من حضور الجلسات العمومية أو حضور وتتبع أشغال اللجان، خاصة الأعضاء كاملي العضوية باللجان. وهنا نتقدم بالدفع بعيدا عن المدرسة الكلاسيكية أو التاريخية في التأويل والتفسير، التي تتشبث بحرفية النص إلى غيرها، مما يدفع بروح النص وبعدم جمود القاعدة القانونية.
بعيدا عن كل ذلك، فإن الوضعية وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، تتميز بظروف استثنائية تفرض إجراءات وترتيبات استثنائية، ومن الناحية القانونية الشكلية، عقد كل مجلس اجتماعا لأجهزته وأساسا مكتب المجلس واجتماع رؤساء الفرق والمجموعات النيابية، وتم الاتفاق على اتخاذ هذه الإجراءات الاستثنائية بالإجماع التوافقي لمكونات كل مجلس على حدة (بالنسبة إلى مجلس النواب: 30 مارس 2020 اجتماع مكتب المجلس، ثم اجتماع مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، بالنسبة إلى مجلس المستشارين: 6 أبريل 2020 اجتماع مكتب المجلس).
ومن الناحية الموضوعية، فإن الظرف الحالي الذي يعيشه المغرب، كما دول العالم، يفرض العمل بالحد الأدنى الذي يضمن تدبير حالة الطوارئ الصحية بما يضمن إجراءات السلامة، لأن هذه الأخيرة هي الأولوية حاليا، وهو ما يفرض هكذا إجراءات لتجنيب البرلمان كارثة فيروسية قد تعصف بأعضائه ولمن عاشروهم أو اختلطوا بهم من أسرهم أو دائرتهم في تعاملاتهم النيابية أساسا، يكون معها لزوما حجرا انفراديا عن أي حركة ولا قدر الله إغلاق البرلمان، وبالتالي تعطيل ممارسة المهام النيابية باسم الأمة، حسب صريح النص الدستوري، وهو شيء ليس من أهداف أي قانون الذي يعتبر مرجعه أساسا في حفظ مصلحة المجتمع أفرادا وجماعات. ثم كان بالإمكان أن تطرح هذه الإجراءات إشكالات عميقة في حالات التجاذبات السياسية، وعدم اتفاق الفرق النيابية الممثلة للتوجهات السياسية لأحزابها، والتي أبانت عن توافق مطلق لاتخاذ كل هذه الإجراءات، ويكفي أن نستدل على ذلك بانتفاء قاعدة النسبية التي تعد دستورية في ما يخص توقيت الفرق خلال مداخلاتها بالجلسات العامة، إذ اعتبرت كل الفرق والمجموعات النيابية أن الظرفية تتطلب الالتحام وتضافر الجهود، ولا فرق بين أغلبية ومعارضة، حسب بلاغ لمجلس النواب بمناسبة اجتماع رئيس المجلس مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، والأمر نفسه بالنسبة إلى حضور الجلسات أو أشغال اللجان من حيث العدد فهي بالتساوي، كما أن هناك بيانات مشتركة بين مجموعة من الأحزاب باختلاف تموقعها السياسي بالبرلمان، تعبر عن رضاها ودعمها لكل الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى