النعمان اليعلاوي
كشف تقرير للجنة تفتيش تابعة للمفتشية العامة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، حول شبهات الفساد المالي والإداري والمهني بالمكتبة الوطنية، عن اختلالات مالية وتدبيرية بالجملة، حيث سطر التقرير، والذي حصلت «الأخبار» على نسخة كاملة منه، أن صفقة لإعادة تهيئة المكتبة الوطنية، كانت الإدارة ممثلة في المدير الحالي، محمد الفران، قد فتحتها من أجل إعادة تهيئة بناية المكتبة، وقد كانت هذه الصفقة مثار جدل حاد وصل حد طرح أسئلة بالبرلمان لما كانت قيمتها عاليا، قد حددت في 18 مليون درهم، قبل أن يتم إلغاء الصفقة تحت ضغط نقابي.
وبهذا الخصوص، أشار التقرير الصادر عن لجنة الافتحاص إلى أن الصفقة رقم 2022/01 تضمنت خروقات شكلية ومالية، على رأسها أن رئيس اللجنة المكلفة بفتح الأظرفة لم يتوصل بالوثائق الخاصة بالصفقة في الأجل القانوني (7 أيام قبل التاريخ المحدد لفتح الأظرفة)، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من القانون المحدد لشروط وأشكال تمرير الصفقات العمومية الخاصة بالمكتبة الوطنية، بالإضافة إلى خرق نفس المادة من القانون والتي تنص على ضرورة إبلاغ أعضاء اللجنة 7 أيام على الأقل قبل تاريخ اجتماع اللجنة وفتح الأظرفة الخاصة بالصفقة المعنية.
وكشف تقرير لجنة الافتحاص، بخصوص الصفقة المذكورة، أن مدير المؤسسة لجأ في الصفقة المذكورة إلى منح طلب العروض رقم 2021/33 بخصوص الدراسة التقنية لأشغال تهيئة المكتبة الوطنية لمكتب دراسة، دون أن يلزمه بتقديم الرخصة بمكاتب الدراسات، والتي تمنح من لدن وزارة التجهيز والماء، وهو ما اعتبرته لجنة الافتحاص، خرقا شكليا للقانون المنظم للصفقات المكتبة الوطنية، حسب التقرير، الذي رصد خرقا آخر يتمثل في تقسيم الصفقة إلى طلبي عروض رقم 2021/33 والخاص بالدراسات التقنية لأشغال تهيئة المكتبة الوطنية والذي أسند لمكتب دراسات، بقيمة 144 ألف درهم، و2022/52 الخاص بتنفيذ الخدمات وتتبع الأشغال، بقيمة 150 ألف درهم. وهو ما يجعل مجمل الصفقة 294 ألف درهم، وبالتالي تجاوز سقف 250 ألف درهم الذي حددته الفقرة 5 من المادة 88 من قانون تمرير الصفقات العمومية الخاصة بالمكتبة الوطنية، والذي يجب إلزاما فتح العروض على الصفقة التي تتجاوز هذا السقف، وهو ما لم يتم العمل به من خلال تقسيم الصفقة إلى سندي طلب.
من جانب آخر، أشار تقرير لجنة الافتحاص، بخصوص الصفقة محط الشبهة، إلى أن الخدمات التي سيتم إنجازها في إطار هذه الصفقة (غير ذات أهمية بالنسبة للمكتبة الوطنية، زيادة على خرقها للمساطر المتعلقة بإبرام الصفقات في المؤسسة، زيادة على الرفع غير المبرر في الخدمات المتعلقة بالصفقة، حسب تحقيق لجنة الافتحاص، الذي بين أن الصفقة رفعت من أسعار عدد من الخدمات بنسبة وصلت إلى 940 في المائة. وقد أورد التقرير أوجه هذا الاختلال المالي في عدد من النقاط من قبيل طلاء الأبواب والخشب والذي بلغت قيمة الرفع فيه 719 ألف درهم (71 مليون سنتيم)، في الوقت الذي بلغت نسبة الـ «نفخ» في أسعار الخدمات المتعلقة بالصفقة أزيد من 450 مليون سنتيم، وهو ما أشار التقرير إلى أنه مناف لمبدأ الحكامة الجيدة.
وبالإضافة إلى ما ذكر، أشار التقرير أيضا، بخصوص هذه الصفقة، إلى اختلالات مرتبطة بتشكيل لجنة فتح الأظرفة، مسجلا أن تشكيل اللجنة ضم خرقا للفقرة رقم 1 من المادة 35 من القانون المحدد لشروط وأشكال تمرير الصفقات العمومية الخاص بالمكتبة الوطنية والمتمثل في ضم اللجنة الخاصة بفتح الأظرفة التي شكلتها إدارة المؤسسة لرئيس قطب بمثابة نائب عن المدير، إلى جانب أعضاء آخرين يتشكلون من أطر ومستخدمين لا تتوفر فيهم الصفة القانونية، في حين أن المادة 35 من القانون (اطلعت عليها «الأخبار»)، تنص بصريح العبارة على ضرورة توفر اللجنة المذكورة ضمن عضويتها على مسؤول عن مصلحة المشتريات ومسؤول آخر عن مصلحة المالية.
ويشار إلى أن النقابة الوطنية لمستخدمي المكتبة الوطنية، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، كانت قد نبهت إلى «شبهات» حول الصفقة المذكورة، والتي حددت ميزانيتها في مليار و800 مليون سنتيم، وذلك خلال لقاء مع وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، وهو اللقاء الذي جاء على إثر ما قالت النقابة إنها «خروقات في إطار صفقة إعادة تهيئة وتجديد بناية المكتبة الوطنية حيث استأثرت باهتمام بالغ من طرف الرأي العام الوطني، والتي تمثل حلقة من سلسلة شبهات فساد في تدبير صفقات عمومية داخل المؤسسة»، كما كانت الصفقة موضوع عدة أسئلة شفوية ومكتوبة بمجلسي النواب والمستشارين، وجهت للوزير بنسعيد، والذي تعهد في المؤسسة البرلمانية بتتبع نتائج تقرير لجنة الافتحاص التي عينها لهذا الغرض، واتخاذ الإجراءات المناسبة على ضوئها.
في المقابل، دافع مدير المكتبة الوطنية، محمد الفران، عن الصفقة الملغاة، وقال في تصريح سابق إن بناية المكتبة الوطنية تم تدشينها في سنة 2008 وقد «أصبحت متهالكة وفي حالة لا تشرف المغرب»، معتبرا أن إطلاق صفقة للتهيئة له ما يبرره، مضيفا «أن طلبات العروض بخصوص الصفقة تمت بشكل مطابق للقانون بخصوص تشكيل لجنة فتح الأظرفة، وأن الحديث عن المبالغة في جدول الأسعار يدخل في اختصاص الجهة المسؤولة التي تصادق على دفتر التحملات قبل نشره للعموم».