يونس جنوحي
ما زالت فصول قضية اعتقال مواطنين صينيين في الولايات المتحدة الأمريكية تعرف المزيد من التطورات والتفاصيل المشوقة.
على طريقة الأفلام، لاحق الفيدراليون رجلين صينيين اشتبهوا أولا في كونهما يعملان معا على اقتناء سلع ومواد كيماوية وإلكترونية وتكنولوجيات منفصلة من الولايات المتحدة الأمريكية، ليشرعا في تصديرها نحو الصين، بغرض «الاستخدام العسكري غير المصرح به».
بداية هذا الشهر أعلنت وزارة العدل الأمريكية إلقاء القبض على المعنيين بالأمر، ووُجهت إليهما تهمة التآمر لتصدير التكنولوجيا الأمريكية، لتعزيز القدرات العسكرية للصين.
الرجلان، حسب البلاغ الرسمي لوزارة العدل، يبلغان من العمر 44 سنة، و65 سنة، ووجهت إليهما تهم أخرى، من بينها التآمر لانتهاك قانون السلطات الاقتصادية الدولية، والتخطيط لتفكيك وتصدير آلة تعالج الرقائق المصنوعة من السيليكون، والتي يمكن استعمالها لتصنيع أجزاء تدخل في قلب الصناعات العسكرية.
قد تصل الغرامة على هذه الأفعال، بحسب الخبراء القانونيين الأمريكيين، إلى مليون دولار، مع مدة سجن قد تتجاوز العشرين سنة. بالإضافة إلى عقوبات أخرى يضعها القانون الأمريكي لمواجهة التصريح بأنشطة كاذبة لاستخراج تراخيص التصدير، وهي التهمة نفسها التي يواجهها هذان المواطنان الصينيان.
القانون الأمريكي لا يتساهل نهائيا مع التهريب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإدلاء بمعلومات كاذبة تهم أنشطة تصدير الأجزاء الإلكترونية والرقائق الذكية لأغراض غير مصرح بها، أو مخفية. أو ما يصطلح عليه على وجه الدقة: «معلومات التصدير الكاذبة».
المدعي العام الأمريكي صرح للإعلام الأمريكي، قبل أسبوعين، وقال إن قيود التصدير قد وُضعت لمنع هذه الحالات بالذات، وتحدث عن إجراءات منع الشراء غير المشروع للسلع والتكنولوجيات التي تُستخدم في النهاية لأغراض عسكرية غير مصرح بها. المدعي العام صرح أيضا أن المتهمين كانا يهدفان إلى الالتفاف على ضوابط التصدير، في سبيل الحصول على أشباه الموصلات الأمريكية للشحن إلى شركة صينية، اشتبه الأمريكيون في أنشطتها، قبل أن يقود التحقيق إلى اعتقال المعنيين بالأمر.
المتحدث باسم مركز التحقيقات الفيدرالي «FBI» جدد في لقاء مع الصحفيين الأمريكيين، التأكيد على أن إحباط عمليات التصدير غير القانوني للتكنولوجيا الأمريكية إلى الصين على وجه التحديد، يبقى أولوية قصوى.
المركز الأشهر في العالم، توعد بملاحقة أي شخص ينتهك قوانين مراقبة الصادرات المصممة للتركيب خارج الولايات المتحدة والاستعمال، لحماية الأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة.
عموما، ليست هذه المرة الأولى التي يُعتقل فيها مواطنون صينيون فوق تراب الولايات المتحدة الأمريكية، بتهمة تمس الأمن القومي للأمريكيين. فقد سبق في السنوات الخمس الأخيرة، أن اعتُقل مواطنون صينيون وجهت إليهم تهم خطيرة، من بينها التجسس لصالح بلادهم على مؤسسات أمريكية حساسة، وممارسة أنشطة التجسس الاقتصادي والصناعي، فضلا عن سرقة الملكية الفكرية.
وهذه التهمة الأخيرة بالذات، لا توجهها الولايات المتحدة الأمريكية وحدها إلى الصين، وإنما توجهها إليها عشرات الدول حول العالم.
وليست الحكومات فقط من تتهم الصين بالسرقة الفكرية، وإنما أيضا كبريات شركات السيارات والألبسة الرياضية، وهو ما يتعارض تماما مع اتفاقيات التجارة الدولية. ورغم العقوبات التي تفرض على الشركات الصينية، إلا أن عمليات السرقة الفكرية ما زالت مستمرة، رغم حصول شركات ومراكز أبحاث أمريكية وعالمية على براءات اختراع واضحة، خصوصا في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلا أن شركات صينية تواصل تقليد المنتجات التكنولوجية الغربية وتطرح نسخا مشوهة، أو أقل جودة، في السوق العالمية.
لا أحد يعلم تحديدا إلى أين تمضي موجة السرقات الفكرية الصينية. وعندما يتعلق الأمر بنا هنا في المغرب، فقد اكتشفنا – متأخرين ربما- أن الصينيين قد صنعوا لأنفسهم مدينة مصغرة عن «شفشاون» الزرقاء، ويزورونها ويلتقطون فيها الصور، كما لو أنهم حلوا فعلا في المغرب، هذا دون الحاجة لكي نشير إلى الألبسة الصينية التي صارت تغزو «درب عمر»، بأثمنة تقل بكثير عن تلك التي يطلبها حرفيو المدن العتيقة.