إجراءات الثقة قبل القمة
يسارع النظام الجزائري الزمن للحصول على موافقة رسمية للدول العربية لعقد القمة بحضور قادة العالم العربي بداية شهر نونبر المقبل، ورغم استمرار مظاهر التحفظ والتوجس تجاه هاته القمة فقد يكون للجزائر ما تريد، وقد تحصل على الموافقة العربية لحضور هاته القمة بما فيها قرار بلدنا. وبطبيعة الحال لن يكون قرار أعلى سلطة في البلد بالمشاركة في قمة الجزائر مفاجئاً لأحد من الدول العربية وللجزائريين أنفسهم، استناداً إلى الموقف الدائم والرسمي المعلن من طرف الملك محمد السادس المرتكز على سياسة اليد الممدودة وحسن الجوار مهما بدر من الجار من سوء تصرف وخفة تقدير.
لكن القمة العربية بالجزائر، لكي تنجح ويكون لها معنى وأثر جيوستراتيجي، تحتاج إلى ضمانات وإلى إشارات لبناء الثقة بعدما هدمتها بعض الأنظمة بتصرفات عبثية، فالقمة تفرض نوعين من الإشارات، الأولى تتعلق بمحاولة إزالة أي عقبات تعترض نجاح القمة بين العديد من الدول العربية، وبالتالي نزع فتيل التوتر العربي في العديد من القضايا (الموقف من التدخلات الإيرانية، القضية اليمنية، القضية الفلسطينية، القضية الليبية..) لا ينبغي أن تظل هاته القضايا عرضة للسمسرة وللاتجار بها من طرف الأنظمة لبناء شرعيتها والتغطية على فشلها الذريع في بناء شرعيتها التنموية الوطنية. والمهمة الثانية تخص اتخاذ الجزائر كل ما من شأنه أن يزيل أي معيق لنجاح القمة في علاقتها بالمغرب، فلا يمكن أن تستدعي ضيفا للقمة وأنت تغلق أبواب حدودك في وجهه، ولا يمكن أن ترفع شعار الوحدة العربية وأنت تصبح وتمسي على قرار تقسيم وحدة جارك.
وهنا ينبغي أن يشكل قرار مشاركة المغرب في المؤتمر إذا ما قررت المؤسسة السيادية ذلك، سلّم أمان للنظام الجزائري كي يهبط من تلك الشجرة التي صعد إليها بإغلاقه للحدود مع بلدنا من طرف واحد وقطعه للعلاقات الديبلوماسية بشكل انفرادي، ورفعه لشعارات كثيرة على مدار سنوات طويلة من النزاع المفتعل والعبثي، والاستمرار في استهداف وحدتنا الترابية بالمال والسلاح.
لكل ذلك لا يمكن للمغرب أن ينتظر شيئا من القمة المنتظرة دون تراجع يذكر في الموقف الجزائري، لأن استمرار النهج المتبع من طرف الجارة الشرقية يعني أن القمة ستعيد إنتاج ما سبق ممارسته وإنتاجه خلال القمم السابقة، ولكن على نحو أخطر وأبشع مما كان. والحقيقة الساطعة التي لا يمكن تغطيتها بالغربال، أنه في غياب المسؤولية والإرادة الصادقة والابتعاد عن الحسابات الضيقة، كما قال وزير الخارجية المغربي، ستفشل القمة العربية قبل عقدها، وحتى إذا عقدت ستخرج خالية الوفاض مسلوبة القرارات لا تملك من أمرها شيئاً، وستقدم للعالم على طبق من ذهب فرصة جديدة لفشل عربي ظل يتكرر لعقود.
لذلك فالقمة العربية تجري في سياق جيوستراتيجي صعب ولن تنجح في ظل الشروط الحالية، من دون مجهود من طرف الدول المشاركة وأساسا من طرف الدولة المحتضنة.