أمزازي يؤكد على اعتماد مبدأ التناوب بين التعليمين الحضوري والرقمي في حالة تفاقم الوضع الوبائي
هل ستتضمن مَحَاِفظ الدعم الاجتماعي لوائح إلكترونية في الدخول الدراسي القادم لتقليص الفجوة الرقمية بين التلاميذ؟
باشرت الإدارات الجهوية والإقليمية منذ أسابيع عملية الإعداد للدخول الدراسي القادم. والذي سيتم افتتاحه بتنظيم الامتحانات الجهوية للسنة أولى باكلوريا، فضلا عن مجموعة من العمليات الإدارية والتربوية لتقليص الفجوات بين التلاميذ الذين تلقوا تعليما رقميا عن بعد بشكل عادي والتلاميذ الذين حالت ظروفهم الاجتماعية أو الاقتصادية دون ذلك، من قبيل الدعم التربوي. وإذا كانت وزارة التربية و التكوين قد حسمت في تحديد ملامح الدخول الدراسي القادم، فإنها لم تحسم بعد، بسبب غموض الوضع الوبائي، في نظام الدراسة، وهو الأمر الذي أكده وزير القطاع سعيد أمزازي والذي أشار إلى احتمال اعتماد مبدأ التناوب بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد معا. هذا الاحتمال الوارد جدا، يفرض على الحكومة النظر في إمكانية تخصيص ميزانية إضافية لمبادرة مليون محفظة لتضم إلى جانب الكتب المدرسية والدفاتر والأدوات الدراسية لوائح إلكترونية، لتقليص الفجوة الرقمية بين التلاميذ المغاربة، خصوصا وأن تجربة التعليم عن بعد التي خاضها النظام التعليمي المغربي لأول مرة ابتداء من مارس الماضي قد بينت وجود هوة كبيرة، تمس في العمق مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص التي تتبناها الرؤية الاستراتيجية للتربية و التكوين.
المزاوجة بين الدراسة الحضورية والرقمية
كشف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي، أن “الدخول المدرسي المقبل غير واضح المعالم”، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد19”. وأوضح أمزازي، في كلمته خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، أن “هناك احتمالين، دخول مدرسي عادي، إذا جرى رفع حالة الطوارئ الصحية في المغرب، أو دخول مدرسي يراعي التدابير الإحترازية والوقائية”، وبخصوص الاحتمال الثاني، فإنه يقوم على اعتماد التناوب، بين التعليمين الحضوري و “عن بُعد”، وذلك من أجل التخفيف من الأقسام، مشيرا إلى أن الوزارة ستعمل على توفير إمكانية ولوج التلاميذ إلى الانترنيت.
تفصلنا ستة أسابيع عن الدخول الدراسي القادم، وهي مدة زمنية قد تبدو طويلة نسبيا لعموم الناس، لكنها وجيزة جدا بالنسبة للمدبرين، بسبب العمليات الكثيرة التي تنتظرهم في نهاية الشهر الجاري وشهر غشت. هذه المدة سيتوجب على وزارة التربية و التكوين خاصة و الحكومة عامة أن تجيب على سؤال يفرضه سيناريو اعتماد التعليمين الحضوري والرقمي معا لتجنب الاحتكاك بين التلاميذ في المؤسسات التعليمية وكذا بين الطلبة ومتدربي التكوين المهني. وهذا السؤال هو كيف يمكن ردم الفجوة الرقمية بين التلاميذ والطلبة والمتدربين لتكون المزاوجة بين هذين التعليمين فعلية وحقيقية وليست مجرد أنصاف حصص كما هو معمول به في بعض المدارس القروية، حيث لا يدرس التلاميذ إلا أنصاف أيام، بسبب الاكتظاظ أو بسبب الخصاص في الأساتذة.
بالنسبة للوزارة الوصية فقد تمت المبادرة بعدد هام من الإجراءات سواء على مستوى توفير المواد الرقمية عبر البوابات الإلكترونية المختلفة وأيضا عبر القنوات التلفزية العمومية، أو عبر الحرص على توفير خدمة الانترنت مجانا لكل التلاميذ عند دخولهم المنصات الوزارية الرسمية. فضلا عن تسطير برامج أخرى للتكوين المستمر في مجال التعليم الرقمي واستعمال تكنولوجيا الاتصال، وتغطية المؤسسات التعليمية بخدمة الانترنت. غير أن هذه الإجراءات على أهميتها تبقى غير كافية، قياسا لمعطى واقعي يتمثل في عدم امتلاك شريحة واسعة من التلاميذ على أجهزة إلكترونية تمكنهم من مواصلة تعليمهم عن بعد في حالة تم اعتماد التناوب بين التعليمين الحضوري والرقمي.
هذا السؤال تحديدا، وبسبب الضرورة التي تفرضها حالة الوباء، يحيل إلى البرامج الاجتماعية المختلفة التي تتبناها الوزارة بشراكة مع جهات منتخبة وعمومية أخرى. وعلى رأس هذه البرامج مليون محفظة.
الدعم الاجتماعي..هل سيشمل الأجهزة الرقمية؟
للتغلب على الهدر المدرسي الذي يشكل بمعطياته الرقمية الصادمة أحد الآفات الخطيرة التي تضرب في العمق مبدأ تعميم التعليم، ركزت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني خلال إعدادها للدخول المدرسي القادم، على الدعم الاجتماعي لفائدة الأسر الفقيرة، وللمناطق الجغرافية الهشة. وهذا المجال يحظي بأهمية قصوى، يأمل مسؤولو الوزارة ألا يتأثر بمعطى تقليص ميزانية القطاع. ويشمل برنامج الدعم الاجتماعي تحسين آليات استهداف برنامج “تيسير” للدعم المالي للأسر من خلال اعتماد معيار بطاقة “راميد”، مما سيمكن من تغطية جميع الجماعات القروية بالسلك الابتدائي، وجميع الجماعات القروية والحضرية بالسلك الثانوي الإعدادي، ليصل عدد المستفيدين إلى2.087.000 تلميذ(ة) بزيادة ستبلغ 200 في المائة مقارنة مع المواسم السابقة.
ومن هذه البرامج نجد المبادرة الملكية “مليون محفظة”، حيث بلغ عدد المستفيدين منها حوالي 5 ملايين مستفيد، بزيادة بلغت 16 في المائة. وقبل أقل من شهرين أصدرت وزارة التربية و التكوين مذكرة تهم الكتب التي ستتضمنها هذه المبادرة بمنسبة الدخول الدراسية القادم. وحتى الآن لم تتضمن هذه المذكرة أية إشارة إلى احتمال تبني المبادرة جزءا من مصاريف توفير أجهزة التعليم الرقمي.
توفير الأجهزة الرقمية هو رهان من المؤكد أن قطاع التربية و التكوين لوحده غير قادر على تحقيقه، لكونه يتطلب ميزانية ضخمة، لذلك لا مناص من تدخل جهات أخرى، وعلى رأسها المجالس الجهوية والإقليمية.
على مستوى آخر، ينتظر أن تقوم الوزارة الوصية بتقييم لتجربة التعليم عن بعد، بعد أن تبين أن اعتمادها مستقبلا لن يظل ظرفيا، حيث ينتظر أن تقدم الوزارة على عدة خطوات على مستوى تكوين المدرسين على استعمال تكنولوجيا الاتصال، سواء في التكوين الأساس أو المستمر، لكون أغلب نساء ورجال التعليم قد انخرطوا طوعا للمشاركة في مبادرة التعليم عن بعد، لكنهم لا يتوفرن على تكوين أساس أو مستمر لإعداد الدروس الرقمية. فالتعليم عن بعد يتطلب وضع قواعد وتوجيهات ومعاير ملزمة للمدرس والمتعلم، فالدروس التي لا تبنى عبر تفاعل المتعلم مع ما يقدم له لن تحقق المراد منها. مع الإشارة هنا إلى أن القانون الإطار للتربية والتكوين يتحدث في مادته 33 عن تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها، وكذا- إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
في سياق متصل أوضح أمزازي في مناسبة سابقة أن الدخول المدرسي سينطلق في الثاني من شهر شتنبر المقبل، بالنسبة لقطاع التربية الوطنية، مع تخصيص حيز منه للاستدراك والدعم التربوي وتقوية مكتسبات المتعلمات والمتعلمين، وتمكينهم من مواصلة دراستهم في الموسم المقبل في أحسن الظروف. وعن العمليات المرتبطة بالإعداد للدخول المدرسي، أفاد أن عملتي التسجيل في السنة الأولى من التعليم الابتدائي ستتم عبر منظومة “مسار”، والسهر على تسجيل التلاميذ الجدد، وكذا إعادة تسجيل التلاميذ القدامى، مع التحكم الاستباقي في الصيغة النهائية للخريطة المدرسية قبل نهاية السنة الدراسية، وتوسيع وتعزيز العرض المدرسي من خلال بناء المزيد من المؤسسات التعليمية والحجرات الدراسية لاستقبال الأعداد المتزايدة للتلاميذ، مع تأهيل المؤسسات المتوفرة، باعتماد مقاربة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات وطبيعة جهات وأقاليم المملكة.
اليونسكو: إبقاء التربية الجنسية في زاوية الطابوهات خطر على المجتمع المغربي
تبنت منظمة اليونسكو منذ 2009 برنامجا عالميا لتشجيع الدول على إدماج التربية الجنسية ضمن برامجها التربوية. وتشمل هذه التربية التربية الجنسية التشريح الجنسي، التكاثر الجنسي، الجماع، الصحة الجنسية، العلاقات العاطفية، مسؤوليات وحقوق التناسل، تحديد النسل، وجوانب أخرى لسلوكيات البشر الجنسية. ويتم تعلم التربية الجنسية عن طريق الوالدين، والبرامج الدراسية بالمدارس وبرامج التوعية الصحية. أما التثقيف الجنسي الرسمي فهو برامج تربوية معدة للمدارس وهذا الأسلوب متوفر في البلاد المتقدمة أما في العالم العربي فهي لا تدرّس في العديد من البلدان. وبشكل عام، فإن التربية الجنسية في أميركا الشمالية هي مادة أساسية في المنهاج المدرسي في السنوات المتوسطة والثانوية. وفي بعض الحالات، تكون من ضمن مادة أشمل مثل الأحياء أو الصحة أو اقتصاد المنازل أو التربية البدنية. وما زال هذا الموضوع مثار للجدل في بعض الأوساط الأميركية من حيث نوعية مضمون المادة أو سن الطالب المناسب لبحث الأمر أو المواضيع التي يجب تعليمها مثل الجنس الآمن، والسلوك الإنسان الجنسي، والجنس دون زواج، والأخلاق الجنسية. وقد أتت أهم دوافع الاهتمام بالتربية الجنسية من انتشار مرض الإيدز الذي دفع العديد من الحكومات والمدارس في نشر التوعية الجنسية كوسيلة للحد من انتشاره.
في هذا السياق دعا فرع منظمة “اليونسكو” بالمغرب إلى عدم إبقاء موضوع التربية الجنسية في زاوية الطابوهات، ما يعود بالخطر على المجتمع، بسبب بحث الشباب عن المعلومة الجنسية في مصادر غير آمنة عبر شبكة الأنترنيت. وضمن ندوة افتراضية ناقشت دور الاعلام حول موضوع التربية الجنسية، ذكر متدخلون من المؤسسة الأممية، أن أي قرار يتخذه الشباب بخصوص علاقتهم الحميمية يجب أن يتم بناء على “معلومات صحيحة ودقيقة مستقاة من مصادر علمية وطبية موثوقة، ومُؤمنة بحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين”.
وأشارت غولدا الخوري، مديرة وممثلة اليونسكو لدى الدول المغاربية، في هذا الإطار إلى أن دراسة كانت قد أجرتها صحيفة مغربية، كشفت نتائجُها أن ثلث المغاربة لا يعترفون بالتربية الجنسية، و14 في المائة منهم رفضوا التعبير عن رأيهم بخصوص هذا الموضوع. وأردفت المسؤولة قائلة إن هناك سوء فهم حول ما تعنيه التربية الجنسية لدى هذه الفئة، ما يتطلب التقرب منها أكثر، مسجلة بأن التعاطي مع التربية الجنسية على أنها موضوع لا ينبغي الخوض فيه هو عنصر معيق للمجتمع والدولة فضلا عن الفرد، داعية إلى فك الحجر عن هذا “الطابو”.
وقالت المتحدثة باسم اليونسكو إن سوء فهم البرامج البيداغوجية المتعلقة بالتربية الجنسية الشاملة، التي تعرف أصلا حضورا ضعيفا في المنظومة التربوية ووسائل الإعلام، إضافة إلى تفادي المدرسين وأولياء الأمور الخوض في قضاياها التي قد تبدو حساسة، “يجعلان الشباب متروكا لنفسه، ومتجها بشكل متزايد إلى الأنترنيت ووسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية للحصول على معلومات وصور متعلقة بالنشاط الجنسي، غالبا ما تكون مغلوطة وغير ملائمة”.
وأضاف مكتب منظمة “اليونسكو” بالرباط أنه يرنو إلى فكّ طوق “الطابو” عن التربية الجنسية الشاملة في المنطقة المغاربية، على أن يمتدّ هذا العمل إلى باقي بلدان الشرق الأوسط، عبر شراكة مع وسائل الإعلام ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، بهدف تمكين شباب المنطقة من الحصول على معلومات دقيقة حول العلاقات الحميمية بين الجنسين.
وتدخل الندوة التي نظمها مكتب اليونسكو بالرباط ضمن مشروع يتم بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للإسكان وبرنامج مكافحة الإيدز التابع للأمم المتحدة بالمغرب، بهدف تقوية دور الصحافيين ووسائل الإعلام في التوعية بأهمية البرامج البيداغوجية المتعلقة النهوض بالتربية الجنسية الشاملة، لتكون فعالة وملائمة لكل فئة من فئات الجمهور المستهدف.