إعداد: سهيلة التاور
لسنة ونصف كان أبو عبد الله المسؤول عن تنظيم الهجمات الانتحارية لدى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في بغداد دون أن يندم يوما على ذلك. وهو من الشخصيات القيادية النادرة إذ تمكنت السلطات العراقية من الإمساك به حيّاً. من أهم ضحاياه نذكر: الشيعة، والزنادقة في نظر «الخليفة» وحتى السنيين لم يسلموا من بطشه. ومؤخرا قام داعش بتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرية في محطة شاطئية وفي متحف بتونس حيث سقط فيها العديد من السياح وكانت أول مرة تنشر الموت بين معتنقي الإسلام. في 20 يوليوز، قامت مراهقة بتفجير سروج، بتركيا. في إفريقيا، قامت بوكو حرام، التابعة لداعش، بمضاعفة الهجمات. ويوم السبت 25 يوليوز نفذت انتحارية لم تتعد سن الثانية عشرة مذبحة مروعة في حانة بالكاميرون. كل هذه العمليات وبدون استثناء كانت تحت إشراف عبد الله المسؤول عن تصميم الأحزمة الناسفة الخاصة بالمنتحرين.
أبو عبد الله ولد وسط عائلة شيعية عريقة، ولم يرتبط بالمذهب السني إلا عند سن 17، ثم انتقل إلى ألمانيا وهو مسلم. إنه من القلة القليلة من قيادات داعش الذين تم جلبهم للعدالة على قيد الحياة، والباقين إما فجروا أنفسهم أو قاموا بأخذ كبسولة سامة لتفادي الأسر أو قتلوا في تبادل إطلاق النار. الاستسلام لم يكن أبدا ضمن مخططات المجموعة الإرهابية، أما أبو عبد الله فقد تمت مداهمته ومحاصرته لذلك لم يكن لديه الوقت الكافي لأن يقتل نفسه، كان تحت المراقبة لعدة أشهر حتى تم اعتقاله في يوليوز 2014 في مصنع المفخخات الذي يديره حيث قام بتمويهه على شكل كراج لتصليح السيارات.
السجن بدل الإعدام
لقد طفا اسمه على السطح مرارا وتكرارا خلال البحث والتحقيق عن بنية القيادات التنظيمية لداعش. حيث نظم العشرات من العمليات الهجومية، التي بدورها خلفت العديد من القتلى والضحايا. للولوج إلى المكان الذي كان يستقر فيه، استوجب اقتحام سلسلة من الجدران الخرسانية العالية بارتفاع يتجاوز 4 أمتار، المحمية بالعربات المدرعة. مما جعل منه السجين الأشد حراسة في العاصمة العراقية.
خلال فترة حكم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تحديدا كان الفساد على أعلى مستوياته، إلى درجة أن معظم السجناء الدواعش هربوا من السجون ناهيك عن الاختراقات التي أدت إلى فرار جماعي، قضاة فاسدون، سياسيون وضباط شرطة يقبلون أخذ الرشاوى من الدولة الإسلامية (داعش) كانت مشكلة كبرى.
يقول عميد في الاستخبارات: في ذلك الوقت كنا نرغب بإعدام السجناء الإرهابيين المسجونين بأقصى سرعة ممكنة. ويستطرد بالقول إن الأحوال تحسنت في ظل إدارة حيدر العبادي، فبعض المسؤولين الفاسدين تم تعليق أعمالهم، ولكنهم بكل الأحوال يتحدون التعليق حيث مازالت الرشوة متفشية في المحاكم. والأمر الوحيد الذي يمنعهم من إعدام إرهابي من إرهابيي داعش هو المعلومات التي يمكن أن يزودهم بها.
شهاداته خلال استنطاقه
كانت وسائل الإعلام تفتقر كثيرا للمعلومات التي تخص أبوعبد الله إلا أن الشرطة العراقية واستخبارات وزارة الداخلية ومسؤولين آخرين زودوا بتفاصيل عن شهادته.
عند النظر إلى كل ما خطط له من عمليات انتحارية، تفجيرية، وتصميمه للأحزمة الناسفة… يمكن أن تحكم عليه على أنه إنسان متحفظ، كتوم للأسرار، ومن المستحيل أن يعلن عن معلومات تخصه، غير أنه عكس ذلك. فالضباط أكدوا أنه كان يدلي باعترافاته بشكل تلقائي والتي تفضح تماما الدولة الإسلامية حيث أعطاهم معلومات عن دواخل المنظمة الإرهابية، وأدوات القوة لديها. فهدفه الوحيد كان هو محاولة ربح الوقت وتأجيل النطق بالحكم الذي كان يؤمن بأنه سيكون الحكم بالإعدام.
عمليات داعش في قليل من الأحيان تم التمكن من إلقاء القبض على القائمين بها وهم أحياء. فبمجرد ما يحاصرون، يفجرون أنفسهم، أو يتناولون كبسولة سم ما. إلا أن المتخصص في العمليات الانتحارية لم يجد الوقت لذلك. حيث أنهم تعرفوا حتى على محتوى الكراج أو بالأحرى الورشة التي يتم فيها صنع المتفجرات. فكان «المرآب» يقرر مكان كل العمليات، وتجهيز الإرهابيين، وتسليمهم الأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة، ثم يرافقهم لمكان العملية. ولم يكن يظن يوما أنه يمكنه أن يكون «شاهدا» في قضيته.
«حتى وقت متأخر من الليل، فالجو لا يزال حارا جدا، والمروحة تصخب في مكان ما بالممر المجاور. أبو عبد الله يمسح العرق المتصبب من جبينه بعصابة العينين التي بين يديه، توقف لوهلة ثمّ قال «لقد أعدت حساب المفخخات التي فجرتها… إنها 19، خلال 3 أشهر وليست 15».. قالها بصوت منخفض وبتركيز محاولاً عدم ترك أي تفاصيل».
ما يقوله عن “منجزاته”
إنه لا يعتبر نفسه كتابع لداعش بل كمفكر، مخطط ومصمم للعمليات. وقال إنه صنف هكذا من طرف المسؤولين الكبار للدولة الإسلامية وأنه أثبت مهاراته وقدراته في وقت وجيز جدا. لقد اعترف أنه كان يستعمل السيارات المفخخة من البلاستيك من نوع C4 أو متفجرات من مقتطفات الصواريخ. ولكن بالنسبة للأحزمة الناسفة، يتحقق بالأخص من ذخيرة البطاريات المضادة للطائرات الجوية. وبعد ذلك، يجهز سترات وأحزمة بمقاسات مختلفة. فبعد كل محاولة انتحارية تفجيرية، يتم إرسال القياس الخاص بالإرهابي المنتحر المقبل إلى أبي عبد الله من طرف المسؤولين. ولا يستوجب إلا بعض التعديلات لتكون مناسبة له.
صرح المقبوض عليه أن سن الإرهابيين لم يكن يتجاوز الثلاثين، فكان يتراوح ما بين 21 و30، وغالبا ما يأتون من الفلوجة، وفقط واحد على عشرة كان عراقيا. أغلبهم كانوا يأتون من المملكة العربية السعودية، تونس، الجزائر. كما أنه استقبل اثنين قدما من الغرب، أحدهما من أستراليا، وآخر من ألمانيا واسمه «أبو القعقاع الألماني» وكلاهما لا يتكلمان العربية، حيث كان يتواصل معهما عن طريق الإشارات.
فبالنسبة للألماني، فقد قام بالعملية الأقصر من بين العمليات الانتحارية، حيث استغرقت 45 دقيقة منذ الدقيقة التي وصل فيها إلى المكان المحدد للعملية إلى الدقيقة التي مات فيها. أبو عبد الله كان فرحا جدا لاستقباله رجلا مسيحيا دخل الإسلام، أتى من بلاد بعيدة ليضحي بنفسه في سبيل الله.
أغلب زبائنه لا يأتون إلى الكراج الخاص به إلا عند التجهيز لتنفيذ عملية ما. لا يجب لفت الانتباه، كانوا حريصين على أن يظهروا بمظهر اعتيادي، بدون لحية كاملة، تيشيرت وشعر ممشط مع «جل»… ثم يسلمهم أحزمتهم الناسفة، حيث يظهرون فرحة عارمة لاستقبال الموت.
مهاراته
ترجع مهارات عبد الله إلى معرفته العميقة والشاملة لبغداد، مسقط رأسه، حيث قضى أحلى أيام عمره. زار كل زواياها محتفظا بأحلى الذكريات مع أعز الناس على قلبه. إلا أنه عندما يريد اختيار مكان تنفيذ العملية لا يفكر نهائيا في الذكريات بل يأخذ الأشياء بموضوعية. ويتم الاختيار وفقا لمعايير معينة، وأهمها استهداف عدد كبير من الناس وبالأخص الشرطة، والقوات العسكرية والشيعيين، والأماكن تكون عبارة عن نقط للتفتيش، أو مساجد، أو أسواق.